الحقيقة – انواكشوط - أحمد ولد داداه الزعيم السياسي المعارض الأبرز في موريتانيا ، نذر نفسه للنضال السياسي في موريتانيا مشكلا أكبر لفيف سياسي معارض في البلاد مع أول تجربة ديمقراطية تشهدها موريتانيا مطلع تسعينيات القرن الماضي ، حيث ترك الرجل وظيفته الدولية السامية ، ليعود للبلاد مترشحا أو مرشحا لرئاسة موريتانيا ، فكان المنافس الشرس للرئيس العسكري المسيطر على زمام الامور حينها الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع ، لدرجة أن بعض الدوائر الاعلامية والتسريبات الحكومية تحدثت عن فوزه في الانتخابات لكن ماكينة التزوير بمباني وزارة الداخلية كانت شغالة بمتياز واظهرت النتائج فوز الرئيس العقيد ولد الطايع
لكن تلك الخطوة كانت حجر الزاية في مسيرة نضال الرجل حيث ظل رمزا للنضال السياسي المعارض وتعرض للاعتقال والتنكيل والقمع أكثر من مرة ، ورغم كل ذلك ظل يتواجد في المشهد السياسي متربعا على عرش أكبر حزب سياسي معارض في البلاد ، فترشح لعدة استحقاقات رئاسية وكان قاب قوسين أو أدني من كرسي الرئاسة في انتخابات 2007م لكن صديقه سيدي ولد الشيخ عبد الله فاز بفارق بسيط في الدور الثاني ، فبادر لتهنئته “مسجلا” النتائج وفي النفس ما فيها من تحفظ على توجيه مكشوف لإرادة الناخبين من طرف بعض رموز المؤسسة العسكرية لصالح خصمه
يأخذ عليه منتقدوه بعض المواقف السياسية الفارقة كمقاطعة الانتخابات التشريعية سنة 1992م ودعم الانقلاب العسكري سنة 2008م ، فيما يكبرون فيه صرامته ونزاهته و طول نفسه السياسي .
أحمد ولد داداه قبل أن يتحول الى زعيم سياسي معارض في موريتانيا ، هو إطار اقتصادي مرموق محليا ودوليا ، تولى عدة مناصب سياسية وقيادية محلية وإقليمية ودولية من بينها منصب محافظ البنك المركزي الموريتاني ، وإدارة شركة سونمكس ،وأمانة منظمة استثمار النهر السنغالي قبل أن ينتقل لمؤسسة البنك الدولي بعيد خروج من السجن بعد الانقلاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المؤسس المختار ولد داده
الصدى التقت الزعيم السياسي أحمد ولد داداه رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض في مكتبه وأجرت معه حوارا مطولا ومفصلا استعرض رؤية الرجل حول مختلف القضايا الوطنية والاقليمية ، فله منا جزيل والشكر والامتنان على رحابة الصدر وما جاد به من وقته الثمين .
وهذا نص الحوار :
الصدى – حوار : محمد عبد الرحمن المجتبى
زعيم حزب التكتل أحمد ولد داداه خلال حديثه للصدى
خرجت موريتانيا قبل أيام من استفتاء دستوري، قاطعته المعارضة بمختلف اطيافها ، لكن النظام استطاع تمريره رغم اعتراضكم وتشكيكم ، فما ذا عن اللحظة السياسية الراهنة في البلاد ؟
هذا البلد اليوم يعيش ظروفا صعبة جدا على كل المستويات ، فعلى الصعيد السياسي هناك أساليب وممارسات دأب عليها الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، تتنافى تماما مع أخلاقيات أهل هذه البلاد ، التي عرف عنها التعامل الطيب والاحترام المتبادل بين سكانها، وتهذيب في الالفاظ المستخدمة بين الناس في النقاشات العمومية ، لكن حقيقة محمد ولد عبد العزيز، أنه يعتمد أسلوبا في التعاطي مع الناس خارج هذا الإطار الأخلاقي و القيمي ، فهو يتهم الناس بالتهم الواهية علنا ، وينعتهم بالنعوت غير اللائقة أمام الرأي العام، ويستخدم في هذه الأساليب عبارات وألفاظا غريبة تماما على ثقافة هذا البلد ، فهذه البلاد عرفت تاريخيا ببلاد المليون شاعر، فالشعر معروف أنه يعكس مستوى راقيا من الثقافة والقيم واللباقة ، وهذا ما يفتقر له الرئيس محمد ولد عبد العزيز جدا ، وكأنه لم يعش في هذه البلاد ولم يطلع على قيمها وثقافتها
♦♦♦
محمد ولد عبد العزيز ثقافته غريبة على المجتمع وخطاباته تطفح بالاتهامات و النعوت المشينة (ماه طايبه)
♦♦♦
ما ذا تقصد بعبارة : الرئيس “ما عاش في هذا البلاد” ؟
أقصد بها فقط تكوين الرجل وثقافته ،أنا لا أهتم بتلك الأمور، يهمني فقط أن يكون من يدير الشأن العام في هذا البلد، يحمل ثقافة وحضارة البلد، ويستخدمها في التعاطي مع الناس ، ومحمد ولد عبد العزيز ثقافته غريبة على المجتمع وخطاباته تطفح بالاتهامات و النعوت المشينة (ماه طايبه)والكلام الساقط ، فهو يعتمد أسلوبا يفتقر كل الافتقار للمسؤولية ، ولكن لا غرابة في كل ذلك لأن المثل يقول من جهل شيئا عاداه.
♦♦♦
لا يمكن لدولة أن تدار برأي شخص واحد ولو كان أويس القرني
♦♦♦
لكن ما ذا عن التواصل بينكم كمعارضة والنظام ؟
لا يوجد في الحقيقة أي نوع من انواع التشاور بين السلطة الحاكمة والمعارضة ، فالمعارضة في البلدان التي تدعي الديمقراطية مهمة جدا، لأنها تمثل الاتجاه المعاكس للسلطة ، وضروري جدا أن يكون هناك نوع من الاحترام والإصغاء المتبادل ، الذي يسمح لكل إتجاه بأداء مهمته على أكمل وجه خدمة للوطن .
فالتتشاور مع المعارضة في كل الامور الوطنية سمة من سمات الأنظمة الديمقراطية، لأنه أحيانا يكون هامش الخلاف بين الحكومة والمعارضة ضيقا جدا وقد تتطابق وجهات النظر في قضايا هامة ومصيرية بعينها، تدخل في صميم المصلحة الوطنية.
لكن للأسف الشديد هذا الجانب المشترك من المسؤولية مفقود اليوم في بلادنا ، لأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يتحدث في مهرجاناته و خرجاته الإعلامية ، ويهاجم المعارضة وكأنها عدو شخصي له ، وهذا خطأ فادح وكبير ، عليه أن يعلم أن المعارضة ليست ضد محمد ولد عبد العزيز كمواطن ، ولا يمكنها أن تكون كذلك ، لكن محمد ولد عبد العزيز كمسير للشأن العام سياساته لا تعجب المعارضة ، ولا تليق بها ، ولا ترى أنها تمثل مصلحة البلاد
♦♦♦
كل سياسات النظام فاشلة في نظرنا ،سواء منها تسييره للعلاقات الدبلوماسية مع دول الجوار أو تسيير الثروات الوطنية
♦♦♦
عن أي سياسات فاشلة تتحدث وفي أي مجال ؟
كل سياسات ولد عبد العزيز فاشلة في نظرنا ،سواء منها تسييره السيئ للعلاقات الدبلوماسية مع دول الجوار و للعلاقات الخارجية بصفة عامة، وسواءا تعلق الأمر بتسيير الثروات الوطنية الهائلة والمهمة ، فهذا التسيير نرى أنه فاشل ومطبوع بالارتجالية وعدم وضوح الرؤية والرشوة التي أصبحت سرطانا مستشريا في جسم الدولة ينهك مواردها الاقتصادية، ولا تسلم منه مصالح الناس.
♦♦♦
نحن لم ولن نرفض الحوار ، لكننا لا نشارك إلا في حوار جاد وصادق … فالرجل لا يتشاور مع أحد
♦♦♦
رفضتم الإستفتاء الأخير بشدة، وخرجتم في مظاهرات قمعتها الشرطة ، ما سر رفضكم لهذا الاستفتاء ، هل لأنه ينبثق عن حوار سياسي لم تشاركوا فيه ، أم لأنه إستفتاء غير دستوري كما يرى البعض ؟
أولا إسمح لي أن أوضح أننا كمعارضة ليست لدينا أي علاقة مع هذا النظام ، ولسنا السبب في ذلك ، فنحن نعلم أن أي حكومة شرعية كانت أو غير شرعية هي المعنية بإدارة شؤون البلد ، لكن الغريب أن تكون هذه الحكومة تدعي الديمقراطية ، وفي نفس الوقت ليس عندها أي علاقة ولا تشاور مع الطيف السياسي المعارض ، ونحن طبعا نحترم أنفسنا ولا نخضع لسياسات الإرغام ، التي يجسدها المثل الشعبي “إشرب ولل نرشمك”
النظام يقول أنه دعاكم للحوار أكثر من مرة لكنكم فضلتم المقاطعة ؟
دعوة الحكومة للحوار تحتاج للمراجعة والتدقيق ، فنحن لم ولن نرفض الحوار ، لكننا لا نشارك إلا في حوار جاد وصادق يسمع فيه رأي الكل ، وتكون أيضا مخرجاته قابلة للتنفيذ وهناك نية حكومية صادقة لتنفيذها ، و الحوار الذي دعتنا له الحكومة في الماضي لا يتطابق مع هذه المحددات الأساسية التي بدونها يكون الحوار ضربا من العبث ، ومن باب التندر أتذكر أنه في إحدى مناسبات الحوار التي نظمها نظام محمد ولد عبد لعزيز ، وبينما كانت اللجان منشغلة في عملها إذ جاءها الخبر أن التوصيات صدرت وباجماع جميع المشاركين ، فهذا النوع من الممارسات لا يدعم مصداقية من يقوم به، ولا يزرع الثقة بينه مع الاطراف السياسية ، ومثل هذا النوع من الحوار نحن لا نسعى له ولا نريده ولن نشارك فيه، لأننا لا نرضى أن تكون مشاركتنا ديكورية فقط ،فقناعتنا أن محمد ولد عبد العزيز لا يؤمن بالحوار ، ومن يريد الاقتراب منه عليه أن يكون بلا رأي ، ومما يروى عنه في هذا الإطار أن أحزاب الموالاة شكت له عدم تشاوره معها، فرد عليها ولد عبد العزيز بأن سأل رئيس الحزب الحاكم قائلا هل استشرتك يوما أو سألتك عن أي شي ، قال رئيس الحزب لا فخامة الرئيس .
♦♦♦
ولد عبد العزيز يبذل كل الجهود لكي يبقى في السلطة الى ما شاء الله ، وهذه هي الديكتاتورية بعينها
♦♦♦
إذن هذه الأساليب من الصعب أن يقبلها من يحترم قناعته السياسية ويحترم نفسه أولا ، لأن من يتشدق علنا بأنه لا يتشاور مع موالاته ، كيف نصدق أنه صادق في سعيه للتشاور والحوار مع المعارضة. ومع ذلك فنحن في المعارضة قدمنا وثيقة بإجماع كافة الطيف السياسي المعارض المنضوي تحت لواء المنتدى حينها، تتضمن رؤيتنا وممهداتنا لحوار وطني شامل وجاد من شأنه أن يخرج البلاد من مستنقع الأزمات الذي تعيش فيه منذ وصول ولد عبد العزيز للسلطة، ولكن النظام تجاهل تلك الوثيقة ولم يرد عليها حتى اللحظة
السيد الرئيس ما زلت أنتظر ردكم على السؤال المتعلق برأيكم حول الاستفتاء الأخير ؟
هذا الاستفتاء نحن ندرك بوضوح أن الغرض منه ليس قضية العلم و الشيوخ الخ…، الاستفتاء مناورة من ولد عبد العزيز لتمهيد الطريق لحلم المأمورية الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ،و قد صرح في خطاباته الأخيرة أنه سيكون هناك إستفتاء آخر ، ونحن من البداية ندرك ذلك، ونعلم أنه سيبذل كل الجهود لكي يبقى في السلطة الى ما شاء الله ، وهذه هي الديكتاتورية بعينها ، فالرجل لا يتشاور مع أحد والانتخابات مزورة ، فالمدن الكبرى كلها لم يسجل فيها أي تواجد معتبر لدى مكاتب التصويت ، فبأي منطق يتم الإعلان عن نسبة 53بالمائة، أي منطق هذا ؟، هذا ضحك مكشوف على عقول الناس، أضف إلى ذلك ضعف الاقبال على التسجيل على اللوائح الانتخابية مما اضطر لجنة الانتخابات إلى تمديد فترته ثلاث مرات دون فائدة ، مع العلم أنهم استخدموا كل الطرق لرفع ذلك التحدي من ضغط وتخويف للموظفين وشراء للذمم وتصفية للحسابات ….
♦♦♦
محمد ولد عبد العزيز يتحدث في مهرجاناته و خرجاته الإعلامية ، ويهاجم المعارضة وكأنها عدو شخصي له ، وهذا خطأ فادح
♦♦♦
اذا من يتحمل المسؤولية بالنسبة لكم، الإدارة أم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات؟
لا لا المسؤول الأول و الأخير عما حصل ويحصل هو محمد ولد عبد العزيز، ليست هناك لجنة ولا إدارة ، وهذا النوع من التصرف خطير جدا، لأنه يولد تراكمات خطيرة ، فصبر أي مجتمع بشري له حدود، ونحن في حزب التكتل لا نريد لموريتانيا أن تنفجر، أو تتمزق، أو تنزلق للحرب الأهلية ، لانها بلادنا التي نتمنى لها الخير، والاستقرار والاستقامة والتطور ، والمشاركة في الركب الحضاري ، فلا يمكن لدولة أن تدار برأي شخص واحد ولو كان أويس القرني .
لكن رغم مسؤولية النظام ، البعض يتهم المعارضة أيضا بأنها تفتقر للتماسك ، و الثقة و النزوع للأغراض الشخصية ؟
قبل الحديث عن المعارضة، أنت تعلم أن حكومة وطنية مسؤولة ، تراعي مصالح الوطن الآنية والمستقبلية ، يجب أن تنتهج سياسة معقولة ، يرى فيها الجميع ذاته وهذا بعيد مما تعيشه البلاد حاليا من مناورات رخصية ، ينتهجها النظام، أما المعارضة فلكل منها أسلوبه ونظرياته ورؤاه، التي يرى من زاويته أنها تخدم المصلحة العامة للبلد ، ولكن سياسة النظام لتمزيق وتمييع المعارضة، بترخيص الأحزاب السياسية بشكل عشوائي وغير بريء، هو الخطير جدا ولا ينم عن نية حسنة في العمل السياسي ، والأمر لا يخص المعارضة بل يخص الساحة السياسية بصفة عامة، حيث يوجد ما يقارب مائة حزب سياسي ، هذا لا يخدم البلد و لا معنى له ، فهي سياسة تمييع متعمدة كي “يصيح فوق كل غصن ديك”كما يقول الشاعر الاندلسي
قد يكون ظهور الأحزاب السياسية طبيعي ، وناتج عن فشل الأحزاب القائمة ، في إقناع الناس ببرامجها وتوجهاتها السياسية ؟
لا لا ، الأمر ليس كذلك هي سياسية إغراق للأحزاب الكبرى ، وتشويش عليها ، فهناك تشجيع لتكاثر الاحزاب كي تتواجد في الساحة ، وهذا في الحقيقة لا يخدم البلد ولا يخدم الديمقراطية ، فالولايات المتحدة الامريكية سكانها 300مليون نسمة يوجد فيها حزبان كبيران ،وسياسة ولد عبد العزيز تشجع تمزيق الاحزاب بالترخيص لاحزاب”كرتابل” كما يطلق عليها أهل نواكشوط
♦♦♦
صناديق الاقتراع التي قاطعتها المعارضة مؤخرا لم يشاهد أمامها أي طابور في أي منطقة من موريتانيا
♦♦♦
ولكن الأمر يعود لكم أيضا ، فالرئيس محمد ولد عبد العزيز في الحملة الاخيرة، قال إن المعارضة لا وجود لها ؟
هذا يؤكد كلامي ، ولكن حتى ولو كانت المعارضة لا وجود لها كما قال ، كان عليه أن ينكر هذه الحقيقة ولا يعترف بها ، لأنها تعني ببساطة إنعدام الديمقراطية، واستفحال الدكتاتورية ، لكن الرئيس قال هذا الكلام في مهرجان شعبي حضره الكثير من الناس ، لكن صناديق الاقتراع التي تقاطعها المعارضة لم يشاهد أي طابور أمامها في أي منطقة من موريتانيا ، ونحن لدينا ممثلين في كل مقاطعات الوطن ، وتأكد لدينا أن الناس لم يذهبوا للتصويت لأن المعارضة قاطعت الانتخابات ، وهذا يدل على أن المعارضة موجودة وقوية على عكس ما قال ولد عبد العزيز.
♦♦♦
الجيش ركيزة أساسية من ركائز الدولة ، وبينه ميثاق دم مع الشعب الموريتاني
♦♦♦
نصل الآن لنقطة قد تكون حساسة إلى حد ما ، لكنها مطروحة في المشهد السياسي ، فالبعض يرى أن السياسة في البلد اليوم مرتبطة بالجيش ، أنتم في حزب التكتل ما هو موقفكم من الجيش ، هل ترون أنه معني بالعملية السياسية في البلاد ، أم أنه يجب أن يبتعد أو يبعد عنها ؟
شكرا على هذا السؤال وعلى كل الأسئلة ، لكن أشكرك بصفة خاصة على هذا السؤال ، لأنه هام جدا وضروري ، نحن نرى أن الجيش ركيزة أساسية من ركائز الدولة ، وبينه ميثاق دم مع الشعب الموريتاني ، لأنه يدافع بدمه عن الشعب وهو الضامن لحماية الحدود والحوزة الترابية للبلاد والسيادة الوطنية ، معنى ذلك أن الجيش في الوضع الطبيعي يجب أن يكون فوق كل الاعتبارات ، وتكون كل القوى السياسية بمختلف مشاربها تمشي خلفه و أمامه في مهامه الوطنية النبيلة ، خاصة أن مهمة جيشنا الوطني ليست سهلة ، فبلدنا مترامي الاطراف ، وموقعنا الجغرافي صعب لأننا في منطقة الساحل والصحراء ، وملتقى إفريقيا والعالم العربي ، وهناك الكثير من الأخطار التي تحدق بهذه المنطقة التي تنتشر فيها عصابات الإرهاب والجرائم العابرة للحدود ، وهي المنطقة الممتدة بين الصومال والمحيط الأطلسي ، ففي هذه المنطقة تنشط شبكات التهريب والهجرة السرية ، و شبكات الجرائم بكل أنواعها ، وبالتالي من الضروري جدا أن يكون جيشنا الوطني في وضع يسمح له بالتفرغ لمهمته السامية ، ومواجهة هذه التحديات ، وتكون لديه الجاهزية الكاملة لذلك ، لكن للأسف الشديد الجيش مفعول به ، كغيره من المؤسسات الوطنية (موكل بيدين ماهم أيديه) لأنه يزج به في الصراعات ، و التجاذبات السياسية التي لا تدخل ضمن مهامه السامية النبيلة ، وهذه الوضعية المؤسفة جعلت جيشنا الوطني في وضع غير مريح فهو لم يترك لحاله ومهامه السامية كي يكون محل اجماع لدى كل الاطياف السياسية ، ولم يزود بالوسائل والآليات الضرورية كي يؤدي مهامه بصفة فعالة ، فنحن نشاهد بعض كبار القادة في الجيش يمارسون العمل السياسي علنا ، ويدخلون في التجاذبات السياسية التي تشهدها الساحة ، ونرى أخطر من ذلك قادة وضباطا مشهود لهم بالخبرة والنزاهة ، مهمشين ومبعدين عن تواي المسؤوليات الحساسة والمهمة في الجيش، لأنهم رفضوا الدخول فيما لا يعنيهم ، ويرفضون الزج بالجيش في المعترك السياسي ، و الأخطر من كل ذلك أصبح بعض المتنفذين في الجيش يمارسون هجوما مشينا على الوسائل المادية ، وهذه في الحقيقة كلها أمور خطيرة ، تشغل الجيش عن مهمته الأساسية النبيلة التي إرتبط مع الشعب الموريتاني بميثاق دم حولها ، وهذه الوضعية خلقت نوعا من عدم الانسجام و التذمر داخل الجيش ، ونحن في الحقيقة نحتاج لجيشنا كاملا، ولدوره السامي ونحتاج أكثر لأن يكون جيشنا محل إجماع و فوق الجميع.
ولكن النظام الحالي طور الجيش خاصة في الجانب التجهيزي ، والبعض يتحدث عن صناعة الجيش من جديد ، هل تنفون ذلك ؟
الجيش تطويره وتجهيزه يجب أن يكون متكاملا ، نحن في حزب التكتل نرى أن الجانب الاجتماعي للجيش وهو الأهم مهمل تماما ، فعلى سبيل المثال قادة وعناصر الجيش المتواجدين على الجبهات والثغور يجب أن تكون هناك عناية خاصة بأسرهم وأطفالهم من حيث التدريس والصحة والتأمين الغذائي ، لكي يبلوا هؤلاء بلاء حسن ، ولا يشغلهم التفكير في وضع أسرهم عن الأداء الفعال في الميادين والجبهات والثغور ، كما يجب أن تكون هناك عناية خاصة بالأرامل والمتقاعدين والمعاقين ، لأنهم قدموا حياتهم من أجل الوطن ، وفي خدمة العلم ، ويجب أن يتم التعويض لهم رغم أن روح التضحية لا تعوض.
♦♦♦
بعض كبار القادة في الجيش يمارسون العمل السياسي علنا ، ويدخلون في التجاذبات السياسية ، ونرى أخطر من ذلك قادة وضباطا مشهود لهم بالخبرة والنزاهة ، مهمشين ومبعدين
♦♦♦
على ذكر العناية بالجيش وبمعنوياته العامة ، يرى البعض أن المقاومة الوطنية للإستعمار لم تتم تحت علم وطني موحد ، في حين أن العلم الوطني الحالي الذي تم تغييره أو تحسينه في الاستفتاء الأخير، مات تحته المئات من أفراد الجيش الوطني في حرب الصحراء وعلى الثغور والجبهات ، ما هو رأيكم ؟
على كل حال بدون الدخول في التفاصيل ، الجيش الوطني منذ 60 سنة وهو يحي هذا العلم يوميا ويخدم تحته ، واللون الاخضر هو لون لباس أهل الجنة فالآية الكريمة تقول (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21))
وهذه البلاد أيضا تسمى الجمهورية الاسلامية الموريتانية ، وهناك خصوصية كبرى لبلادنا، يجب أن ننتبه لها ونصونها ، وهي أن موريتانيا دولة مسلمة مائة بالمائة ، وسنية مائة بالمائة، ومالكية مائة بالمائة، والطرق الصوفية المنتشرة فيها سواء التجانية أو القادرية أو الشاذلية ، تنتشر في جميع مكونات الشعب الموريتاني ، وهذا مكسب كبير ، يجب ان نثمنه ونصونه ، أنظر مثلا للمشهد في لبنان… ،تجد المسلمين و المسيحيين ، وتجد السنة والشيعة وتجد الضروز ، يعني اختلافات كثيرة ، في حين أننا في موريتانيا لسنا كذلك ، نحن لله الحمد لدينا انسجام تام خاصة أن طرقنا الصوفية كما قلت لك منتشرة في كل مكونات الشعب ، وهذا الجانب الروحي أعتقد أننا لم نستشعر أهميته بالنسبة للوحدة الوطنية.
السيد الرئيس تحدثت عن أهمية الجيش ، وما يجب أن يكون عليه ، لكن لم تحدثني عن رؤيتكم حول دور أو مسؤولية الجيش في صيانة أو مراقبة العمل السياسي في البلاد ؟
انا أرى أن الجيش إذا ترك حرا في أداء مهامه في حماية الحوزة الترابية ، و السيادة الوطنية ، سيكون أولا محل إجماع لدى الجميع ، وهذا مهم جدا للدولة وللشعب وللجيش ، نفسه لأنه سيبتعد عن الصراعات التي لا تعتبر أساسية له بل تضر به وبسمعته ، وهذه الوضعية ستجعل الشعب والطبقة السياسية بمختلف مشاربها تقدر الجيش ، وتعتبر أنه يستحق كل شيء في هذه البلاد، لأنه صمام أمنها وضامن استقرارها ، فلا أحد في هذه البلاد يرضى أن يستخدم الجيش كأداة للتغول والتغلب السياسي ، كي يسيطر هذا السياسي أو ذاك على الأمور، ويقصي بقية الفرقاء ، فالجيش في نظرنا أرقى وأهم وأسمى وأنبل من ان يستخدم كمليشيا ، وهذا خطير على موريتانيا وعلى الجيش.
تستخدم عبارة المليشيا ؟
نعم نعم الجيش اليوم يستخدم كمليشيا لترجيح كفة سياسية ضد أخرى ، وهذا لا يليق به وبدوره ، الجيش يضم خيرة أبناء موريتانيا الذين يحمونها بدمهم وبحياتهم ، بالتالي لا يليق أن يستخدم كمليشيا ، لأنه فوق الجميع ، وأنا حين أقول هذا الكلام لا أتهم كافة أفراد الجيش ، بل أرى أنه يتم استخدامهم تحت بند الطاعة والانضباط من طرف رأس النظام.
ولكن من تتهمونهم باستخدام الجيش يرون أن الجيش يتدخل في السياسة فقط في لحظات الأزمات الخطيرة التي تهدد كيان الدولة من أجل تغيير النظام الفاسد ؟
الجيش كما قلت وأكرر مهمته حماية الحدود والسيادة الوطنية , وحتى إذا افترضنا جدلا أن الظروف حتمت عليه التدخل لتصحيح وضع البلاد ، فعليه أن ينظم انتخابات نزيهة في أسرع وقت ، ويسلم السلطة لمن حصل على الاغلبية ، ويرجع لمكانه ومكانته المرموقة في الثكنات ، و خطوة كهذه ستكون جميلة بالنسبة له وجيدة له ولسمعته وستعطيه معنويات مرتفعة الى عنان السماء ، وسيكسب بها إجماع الشعب ، والنخب السياسية كلها ، فموريتانيا بلاد حبلى بالخيرات وسكانها بحدود 4 ملايين ومساحتها مترامية الاطراف ، ولا يمكن أن تحمى الا بمساهمة كافة أبنائها ، وحجر الزاوية في حمايتها أن لا يشغل الجيش عن مهمته الأساسية، ويجب أن توفر له كافة الوسائل والمستلزمات لأداء مهمته ، ويجب أيضا قبل كل شيء أن يبعد عن الصراعات السياسية، فهذا بالنسبة لي هو ما يخدم حاضر ومستقبل موريتانيا
قلتم أن الغرض من الاستفتاء الأخير هو العبور للمأمورية الثالثة التي يمنعها الدستور ، بغض النظر عن سيناريوهات ذلك العبور ، أنتم في المعارضة ما هي خطتكم لقطع الطريق أمام المأمورية الثالثة ؟
أنا أتكلم فقط عن حزب التكتل ، والوسائل التي نستخدمها لمكافحة هذه التجاوزات هي الوسائل الديمقراطية السلمية ، لأننا نرفض أن ندخل موريتانيا في صراعات غير ديمقراطية، ونرفض رفضا باتا أن تدخل موريتانيا في حروب أهلية لا قدر الله ، وما نحبه ونناضل من أجله هو مصلحة موريتانيا وبناء حاضرها ومستقبلها ، إذا لا تبحث عنا في إتجاه مخالف لهذا الاتجاه أبدا ، سنبقى نتمسك بمنهجنا الديمقراطي الرافض للعبث بالبلاد ودستورها من خلال المهرجانات والمسيرات والبيانات والتصريحات وكل الوسائل الديمقراطية المتعارف عليها ، ولكن للأسف ينطبق علينا بيت الشاعر لقد أسمعت لو ناديت حيا ، ولكن لا حياة لمن تنادي ، رغم ذلك سيبقى هذا هو نهجنا النضالي ومشاركتنا في بناء موريتانيا.
♦♦♦
خصوصية موريتانيا الكبرى التي يجب أن نصونها ، هي أنها دولة مسلمة مائة بالمائة ، وسنية ، ومالكية مائة بالمائة، وطرقها الصوفية ، منتشرة في جميع مكونات الشعب الموريتاني
♦♦♦
كيف تنظر لتعاطي المجتمع الدولي مع الأزمة السياسية الحالية ؟ وماذا عن تواصلكم مع الجهات الدولية بهذا الخصوص؟
أنا رغم كل ما يقوله الناس هنا وهناك، أثق في قدرة الشعب الموريتاني على التصدي لمشاكله وحلها بالطرق الأنسب والأنجع إن أتيحت له الفرصة لذلك، فالمثل الماثور يقول “كل يد تمسح عن وجهها” ، فهذه البلاد بلادنا نحن الموريتانيين، وشأنها يعنينا نحن فقط لا سوانا ، ويجب أن يعرف جميع الموريتانيين المدنيين والعسكريين، أن هذه البلاد إذا صلحت صلحت لهم وإذا فسدت فسدت عليهم ، أي أننا نحن من سنجني ثمرة إصلاح البلاد أو نعاني من إفسادها لا قدر الله، والمثل يقول : (الناعر هو التالي اجي) ، فيجب على عقلاء موريتانيا ، ومثقفيها وعلمائها ، وهم كثر لله الحمد أن يهتموا بموريتانيا واستقرارها وتطويرها ، فعندما تصبح في موريتانيا انتخابات نزيهة تمنح الحق لمن فاز بالأكثرية – وقد لا يفوز بها غدا- ، عندما تصل موريتانيا لهذا المستوى الراقي من الديمقراطية ستصلح الأمور وتتطور ، أما عندما يستمر الوضع الحالي لا قدر الله ( اللي يغلب صاحبو اجن اعليه) ، ومن لديه “بازب” أو قوة أخرى ينقلب على صاحبه ستبقى موريتانيا في هذه الدوامة السيئة والخطيرة، وستكون موريتانيا على موعد مع إنقلاب عسكري في أي لحظة ، وهذا مضر بالبلد وبتنميته واستقراره ومستقبله وسمعته ، فرغم الموارد الاقتصادية الجاذبة للمستثمرين فرأس المال جبان كما يقال، ولن يقبل أي مستثمر بالمجازفة بماله في بلد غير مستقر.
♦♦♦
إذا افترضنا جدلا أن الظروف حتمت علي الجيش التدخل لتصحيح وضع البلاد ، فعليه أن ينظم انتخابات نزيهة في أسرع وقت ، ويسلم السلطة لمن يحصل على الاغلبية
♦♦♦
السيد الرئيس بالاضافة لموقعك السياسي ، كيف تنظر كاقتصادي للاقتصاد الموريتاني اليوم؟
الوضع الاقتصادي متدهور على شتى الاصعدة ، فموريتانيا في خمسينيات القرن الماضي، كانت تعيش على المواشي أساسا، وكانت هناك الزراعة لكنها ضعيفة ، والبلد اليوم لديه الزراعة بشقيها التقليدي والعصري ولأن موريتانيا من الدول المؤسسة لمنظمة… نهر السنغال ، و أتذكر أنني في نهاية الستينيات كنت الأمين التنفيذي للمنظمة حصلنا على تمويل السدين سد مننتالي في مالي و سد جاما ، وسد ماننتالي هذا مشابه للسد العالي في مصر لأنه يسمح بانسياب مياه النهر باستمرار مما يسمح بالزراعة مرتين في السنة، حيث أصبحت الاراضي المستصلحة في الضفةالموريتانية تربو على 135الف هكتار، قابلة للري لانتاج الارز والذرة والفواكه الخ..
أي سنة بالضبط توليتم أمانة المنظمة؟
توليتها من سبتمبر 1968 الى مارس 1971 وهذه الفترة هي التي أنجزت فيها الدراسات الأساسية للمنظمة واجتمعت خلالها مجموعة الممولين لأول مرة
طيب ما هي مردودية هذا على الاقتصاد الموريتاني ؟
مردوديته كبيرة جدا فالبنسبة للزراعة كانت هناك نتائج مشجعة ، وبالرغم أن الاستغلال بصورة علمية ومجدية لم يتم. فلا تزال لدى موريتانيا اليوم فرصة مهمة لإنتاج ما يربو على مليار طن من الأرز ، ولو أنصف الدهر لكانت موريتانيا حققت الإكتفاء الذاتي ويزيد في مادة الأرز ومحاصيل أخرى ، كما حصلت موريتانيا من مشروع منناتالي على مردود من الكهرباء وإن كانت لم تحصل على الحظ الاوفر لكنها حصلت على كمية لا يستهان بها
أضف لذلك السياسات التي اعتمدت حينها، تشجع المنمين أيضا لزيادة إنتاجهم من المواشي، رغم أن الدولة فاشلة حتى الآن ، في رسم سياسة واضحة وصارمة لمواجهة الاحتكاكات اليومية بين المنمين والمزارعين.
الرئيس محمد ولد عبد العزيز يتحدث عن ثورة زراعية غير مسبوقة، وبعض المزارعين أيضا يؤكد ذلك ، كيف نقارن بين ما تتحدثون عنه والسياسات الزراعية المنتهجة في البلاد اليوم ؟
ما يدركه الغبي أن البلاد ما زالت متأخرة جدا في المجال الزراعي ، والكل يعلم أن موريتانيا تستورد حتى اليوم كميات هائلة من الأرز، يعني ذلك أنها بعيدة من تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي ، رغم أن النظام وجد أمامه السدين اللذين يغذيان البلاد بالمياه والكهرباء ، وكان على الدولة أن تنتهج سياسة ناجعة لاستصلاح الأراضي للري، وتوزيعها بعدالة وشفافية على المزارعين، لا أن تمنحها للتجار الغرباء على المنطقة و الزراعة ، كما يحصل منذ وصول الحكم العسكري للسلطة سنة 1978م
طيب ما ذا عن رؤيتكم لسياسات النظام الحالي في مجال الصيد البحري خاصة أن النظام ، قام بمراجعة اتفاقيات الصيد مع الشركاء، وبالتحديد مع الاتحاد الاوربي ، كما استقطب مستثمرين جدد من بينهم الشركة الصينية المشهورة ، كل ذلك لتطوير القطاع حسب النظام ؟
نعم كنت سأصل لقطاع الصيد بعد أن أقول لك إن الثروات المتجددة في البلاد هي، الزراعة والمواشي والصيد البحري ، فإذا كانت السياسة الزراعية محكمة من الناحية الفنية والعلمية من خصوصيتها أنها تبقى في حالة تجدد دائم مهما استهلكنا منها ،ونفس الشيء بالنسبة للمواشي والصيد البحري ، ولكن حسب المعلومات التي نحصل عليها -رغم انه لا توجد أي مراجع دقيقة حول سياسات الدولة – فالنهج الذي تعتمده الحكومة في تسيير الصيد البحري كغيره من المجالات غير فعال وفاشل.
اسمح لي السيد الرئيس في المقاطعة بسؤال داخل قوس ، أنتم في المعارضة ليست لديكم مراجع وآليات للإطلاع على السياسات الحكومية لنقدها وتقييمها ؟
يمكنني أن أؤكد لك أن سياسات الحكومة وقراراتها لا توجه للمعارضة ولا يسمح لها بالحصول عليها ، ولكن المعارضة بوسائلها الخاصة وبجهود مضنية تحصل أحيانا على بعض الوثائق ، ونحن في حزب التكتل نندد دائما بحجب المعلومات عنا وعن المعارضة بصفة عامة والرأي العام، وهذا ما جعلنا نتوقف عن التعليق على الكثير من الأمور التي لا نملك معلومات دقيقة عنها ولا وثائق تثبتها.
♦♦♦
صفقة المطار الدولي غامضة ..فمضحك جدا أن تبني مطار بمبادلات بقطع أرضية هنا وهناك ، ولكن يجب التنبيه أنه حالم جدا من يظن أنه سينجو من المسائلة في هذه القضية
♦♦♦
لكن في الاجتماع الأسبوعي للحكومة يمنح كم هائل من رخص التنقيب والأراضي .. والحكومة شفافة في هذه الرخص لأنها تنشرها في الاعلام العمومي ، لما ذا لا تحقق المعارضة في هذه الرخص والجهات الممنوحة لها ؟
صحيح تنشر بعض الرخص علنا لكن ذلك لايعدو كونه مغالطة للرأي العام لانها غالبا لا تنشر إلا بعد فوات أوان تمحيصها والتدقيق حولها ، فمثلا عندك صفقة المطار الدولي الغامضة حتى الآن والتي عندما تستمع لكلام الحكومة حولها تجده حقيقة غير مقنع ، فالمطار حتى الآن لا أحد يعرف سعره وكم كلف الدولة ، ومضحك جدا أن تبني مطار بمبادلات بقطع أرضية هنا وهناك ، فهذه صفقة غريبة ومثيرة ، ولكن يجب التنبيه أنه حالم جدا من يظن أنه سينجو من المسائلة في هذه القضية ، فيوما ما ستقوم الدولة بدراسة تقييم ومقارنة بين التكاليف الحقيقية للمطار وبين قيمة الأراضي التي منحت مقابله ، وهذه دراسة سهلة يمكن أن يقوم بها أي متبدإ في المجال الاقتصادي ، والمثل الشعبي يقول “(اللي مدرك بالايام عريان)
طيب نعود لسياسات الصيد ؟
نعم كما قلت لك الاتفاقيات التي توقعها الحكومة صعب الحصول عليها وذلك يكفي من الدلالة على أنها في الغالب ليست في صالح البلاد ، لقد أشرت لي في سؤلك على الباخرة الصينية، هذه الباخرة عاثت فسادا في ثروتنا السمكية ، حيث أمضت فترة من الزمن هنا تمارس طريقة صيد خطيرة، ومدمرة للثروة السمكية، وغير منصفة للعاملين والمستثمرين في الصيد البحري، فحسب المعلومات التي حصلنا عليها أن الباخرة “الشيلي”المطرودة من شيليا بسبب مخالفاتها ، كانت تستحوذ على منطقة صيد كبيرة وتغلقها دون الآخرين وترمي بشباكها في الأعماق وتضيقها جدا لكي تصيد حتى صغار السمك، و الأخطر من كل ذلك أنها تصيد في المنطقة المحظورة ،منطقة التناسل من 6الى12ميل
فهذا النوع من الاستنزاف والبطش بالثروة الوطنية ،لا تسمح به حكومة وطنية مسؤولة ، تنظر للحاضر و للمستقبل ، لأن مسؤولية التسيير تنطلق من النظرة لليوم وغدا وبعد غد ، والنظام الحالي للأسف يستخدم سياسة خذ خيرها ولا تجعلها وطنا ، أما حين نتحدث عن قطاع المناجم فتلك الطامة الكبرى لأنه لا تتوفر أي معلومات عن المناجم ، فالسياسة المنجمية باسثتناء الحديد تحاط بسرية تامة ، فمثلا كان فيه مشروع توسعة عملاق لإنتاج الحديد المخصب يصل إلى 30 مليون طن ولكنه فجأة لم ينفذ ولا ندري ماهي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تعطله ، و أتذكر أنه في فترة السبعينيات كان هناك مشروع عملاق للتكوير وهو مهم جدا لتخصيب المعادن خاصة للدول التي لديها موارد من الغاز ، وأتذكر أن الكويت طرحت مليار دولار لتمويله، لكن تمت مماطلتهم كثيرا من الوقت ، حتى صرفوا النظر عنه ونفذوه في منطقة الخليج بالخام الاسترالي.
تتحدث عن مرحلة ما قبل الحكم العسكري ؟
نعم كان ذلك قبل الانقلاب وبذلوا جهودا كبيرة ليحصلوا على الموافقة واستكمال الإجراءات ، وحتى بعد الإنقلاب واصلوا جهودهم لكن لم يحصلوا على شيئ وخسرنا هذا المشروع العملاق للأسف و أنا على ذلك من الشاهدين ، لأن أبسط ما كنا سنحصل عليه هو تكوين خبرة وطنية وفق أرقى التقنيات في هذا المجال ، كما تتولد منه الكثير من المشاريع الاقتصادية الهامة للبلاد.
ودائما في مجال المعادن حسب المعلومات المتوفرة لدينا أن مخزون البلاد من الذهب في منظقة تازيازت يزيد على 20 مليون أونصة ذهب ، وربما يكون أكثر من ذلك ولكننا لم نرى أي أثر لذلك على حياة المواطنين وعلى التنمية بصفة عامة، وكثيرا ما تحدث العارفون والمهتمون بالمجال عن عمليات فساد وصفقات مشبوهة فيه بإشراف وتدخل مباشر من رأس النظام ومقربيه.
وكما يتندر بعض أهل موريتانيا باللغة الشعبية فإن رائحة السمك أقوى من رائحة الذهب والغاز ولم تشم له أي رائحة في الماضي.
♦♦♦
الاستنزاف والبطش الذي تعرضت له الثروة الوطنية ،لا تسمح به حكومة وطنية مسؤولة ، تنظر للحاضر و للمستقبل
♦♦♦
ولكن السيد الرئيس كيف لا تدركون حجم إنتاج الذهب ؟ ألا يظهر في ميزانية الدولة ؟
ما يظهر في الميزانية من أرقام ومعطيات لا يمكن الركون إليه لفقدان الأدلة على صدقيته، لأنه مجهول المصدر والأساس ويتسم بكثير من الغموض ، وقد يكون ما يظهر فيها أقل جدا من حجم الإنتاج الحقيقي.
ولكن عندما نقارن مستوى الاستثمار وحجم التشغيل لشركة “تازيازت” يمكننا أن نحصل على إنطباع عن مستوى الانتاج ، أليس كذلك ؟
إسمح لي أن أقول لك أننا لسنا ضد قانون إستثمار مشجع للمستثمرين ، ونطالب أيضا أن يحظى المستثمرون وشركاتهم بكل التسهيلات الضرورية ، وأن لا يتعرضوا للتسويف والتباطؤ الذي يعرض مصالحهم للخطر ، و ندعم جدا تشجيع المستثمرين بكل الطرق الممكنة، وهذا موجود في البلدان المجاورة وغير المجاورة وهو طبيعي جدا في الدول التي تسعى لاستقطاب المستثمرين لتطوير اقتصادها واستغلال مواردها ، وعلى هذا الأساس تحدد الدول آليات التفاوض في كل مجال إقتصادي لديها حسب ظروفها وإمكانياتها ، ولكن للأسف الشديد أقل ما يمكن قوله إن مثل هذه السياسات غير موجودة في موريتانيا ، لأن الإدارة الموريتانية والمصالح المختصة تشكوا من سحب محمد ولد عبد العزيز لصلاحياتها ، واختصاصاتها فهو المهندس، وهو الذي يفاوض مباشرة مع المستثمرين في اخر المطاف ، وهو الذي وهو الذي وهو الذي ..والوزراء والمدراء ورؤساء المصالح يتلقون الأوامر فقط لتنفيذها ، وهذا في الحقيقة خطير لأنه أولا بعيد جدا من دوره كرئيس دولة ، فرئيس الدولة يحدد الاتجاه العام ويختار الموظف المناسب للمنصب المناسب ، وبعد ذلك يمارس وحكومته الرقابة على العمل الحكومي ، ولا بد أيضا لأي حكومة أن يكون لديها جهاز تقويم للسياسات ، لأنه أحيانا تعتمد الدولة خطة معينة، وبعد تقيمها تكتشف أنها غير ناجعة، فتغيرها فقط وهذا عادي جدا وطبيعي.
♦♦♦
ما أروع وأجمل عندي أن تكون موريتانيا تدخلت بمبادرة لإصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر بين الأشقاء في الخليج العربي
♦♦♦
السيد الرئيس اسمح لي أن أتطرق لرؤيتكم حول بعض القضايا الاقليمية والعربية ، فلا شك أنكم تتابعون أزمة الخليج العربي الحالية كيف تنظرون لها ، و ما هي أمثل الطرق لحلها برأيكم ؟
شكرا على هذا السؤال، أنا لا أجامل في السياسة، وأعتبر أننا في موريتانيا معنيين بكل ما يحدث في الساحتين العربية و الافريقية ، هؤلاء أهلنا وجيراننا ودمنا ، أنا أرى أن الأزمة التي تشهدها منطقة الخليج حاليا أزمة بين الأشقاء ويجب أن لا تتدخل فيها أي دولة إلا بالتي هي أحسن ، فما أروع وأجمل عندي أن تكون موريتانيا تدخلت بمبادرة لإصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر بين الأشقاء ، ولو لم تنجح ، المهم أن تسجل لها ولحكومتها وشعبها المسلم ، فهذه الدول تهمنا كثيرا ، فالمملكة العربية السعودية لها مكانة كبيرة لدينا فهي مهبط الوحي ، وهي أيضا من الناحية السياسية الدولة الكبرى في الخليج ، فأهل الخليج يطلقون عليها “المملكة” والشقيقة الكبرى ، ولباقي دول الخليج تاريخها ودورها المهم ، وما يجب أن يسعى له العقلاء هو تقارب هذه الدول ، وحثهم على التراحم والتقارب وفض النزاعات بطرق أخوية ، لأن الخلاف بينهم ليس في مصلحة الأمة العربية والإسلامية ، فهذه الدول لها دور مهم ومحوري في العالم ، ويجب أن لا تنشغل عنه بالصراعات الداخلية ،ومن يسعى في اتجاه الإصلاح هذا يجب أن يسعى فيه بسرية وبتواضع ، وأن ينشد الخير وإصلاح ذات البين ومصلحة الامة ، ومن هنا أحيي مبادرة دولة الكويت للوساطة بين الاشقاء و أتمنى أن تدعمها جميع الدول لتسوية هذا الصراع الأخوي بين الأشقاء ، وهذا ممكن لأن أهل الخليج عرفوا عبر التاريخ بالحكمة وبعد النظر ، فالمملكة العربية السعودية عليها مسؤولية كبيرة فهي تدار من طرف خادم الحرمين الشريفين وفضلا عن بعدها الروحي المتمثل في وجود الحرمين الشريفين.
♦♦♦
الملك عبد العزيز من عمالقة التاريخ ..والمملكة العربية السعودية مكانتها كبيرة في قلوب المسلمين
♦♦♦
فمنطقة الخليج زيادة على هذا أو ببركته تصدر 60بالمائة من حاجيات العالم من النفط ، وهذه خصوصية اقتصادية كبيرة وغير طبيعية يجب التنبه لها ، وتعطي لهذه المنطقة أهمية استراتيجية عالمية ، والمملكة العربية السعودية أيضا زيادة على كل ما ذكر تحتوي على كل ما يتعلق بأبهة العرب وفخرهم ومجدهم ، فمؤسسها الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله من عمالقة التاريخ ، ومن يريد أن يطلع على حكمة هذا الرجل المؤسس للملكة عليه أن يقرأ كتاب “ابن سعود وميلاد مملكة” لمؤلفه بنوا ميشاه” ، فهذا الكتاب يعرض من حكمة وعقل وبعد الرؤية لهذا الملك ما لا يخطر على بال ، وسياسة وأفكار الملك عبد العزيز هي التي اتسمت بها سياسة المملكة من بعده ، وهذا ما يجعلها تتحمل مسؤولية كبرى بوصفها الدولة الأكبر في المنطقة ، وأتمنى أن يحل هذا الصراع الأخوي بالتراحم حيث يرحم الكبير الصغير ويوقر الصغير الكبير، لأن ذلك هو الذي يضمن مصلحة المملكة والمنطقة والإسلام والعروبة والعالم
السيد الرئيس شكرا لكم على وقتكم الثمين ورحابة الصدر
شكرا لكم