هل هو الارتباك أم السعي للهلاك؟ أبي ولد المحفوظ

أربعاء, 11/29/2017 - 19:00

ينتابني شعور غريب وأنا أطالع ما كتبه الأستاذ/ المصطفى ولد اكليب بعنوان: "الدعوة إلى الله في مجتمع شرائحي" والداعية محمد ولد سيدي يحي، وشريحة "إكاون"، عمدت إلى تكذيب نفسي واتهامها بالعجز عن فهم ما كتبت، لكن وبعد المراجعة حمدت الله سبحانه وتعالى أن قد حصلت على الباكلوريا ولم يحصل لي الشرف أن جلست جلسة المتعلم من الأستاذ، وببساطة لأنني لو التقيت به في طريق الدرس لكنت أحد إثنين، إما أنني لم افهم الدرس وإما أنني بقيت عاجزا عن تفكيك أبسط النصوص وفهمه ومقاله يعكس هذه الحقيقة.

وليعذرني القارئ الكريم في هذه العبارات التي قد تبدو نابية ولكن لم أجد ما يفي بالمقصود سواها وحيث إن النفع والبيان غاية هذه السطور، فلابد لتحقيقه من بيان هذه الحقيقة، وأرجو من القارئ الكريم الحكم عليها قبل الموجهة إليه، إذ لا يصدق أحد على دعواه ولو كان عمر.

قال الأستاذ الجليل: "لم يستطع الداعية الكبير محمد ولد سيد يحي رغم دعوته إلى العدل والإنصاف أن يتخلص وبشكل كلي في موقفه من شريحة (إكاون) من ثقافة المجتمع السائدة التي تقول بأن (لمرابط ماه صاحب إيكيو)، ولم يقتصر نقده لشريحة (إكاون) على شريطه الأخير الذي حمد فيه الله على أنه لم يرى في حياته أي منتم لهذه الشريحة إلى آخر ما قال"، فالأستاذ الجليل إما أنه فعلا متشبع من هذه الثقافة ووصف الداعية بأنه "امرابط" وهذه نفس الثقافة التي ينتقد أو انه جاء بها عرضا ويكون باقي كلامه لا معنى له ولا محل له من الإعراب، حيث إن الداعية إما أنها وصف لما يقوم به من عمل أو اصطلاح لفظي اصطلح عليه لتسمية مجموعة من الناس يمارسون الدعوة كمهنة أو كهواية أو كواجب ديني أو أخلاقي ولا يختلف الأمر كثيرا. وهنا يجد الأستاذ الداعية لم يرتكب أي خطأ وإما أن الزوايا هي الوصف الذي أراد من خلال هذا المقال الحديث عنه ووصفه به فيكون قد وقع فيما يحاول تجنبه ومعالجته والظهور بمظهر المصلح الاجتماعي في كتاباته ولا أريد أن أستطرد أو أن أتطرق إلى الشريط، فحقيقته معروفة وأخباره معلومة لدى كل ذي بال، وحيث إن أستاذنا رضي لنفسه أن يكون في زاوية معروفة وغرضها معروف يجب أن يتحمل قليلا بعض السفاهة والغلظة في الردود.

لا أتهم أستاذنا الجليل بأنه متحيز لأخواله وكتب ما كتب حمية جاهلية وكذلك لا اتهمه بأنه جزء من منظومة الأمن التي حاولت ركوب الموج وإثارة هذه القضية في هذا التوقيت لإلهاء الرأي العام عن قضية ولد المخيطير وما تحمله تلك الحياكة من الإحكام، حيث عمدت خلايا (......) بتدبير تلك القضية لأن من يحمل هم النصرة حقيقة هم أتباع وطلاب ومحبوا الأستاذ لأنهم وحدهم وببساطة من بقي في هذا الشعب دون غيرهم بلا أهداف سياسية أو اقتصادية، يغضب لله. وتولى كبره صاحب المآثر وتلاه الصف الموالي من الطابور الخامس ليتلقفه أستاذنا وأجله عن هذا الفعل لكن وجدته ربما بالصدفة في هذا الحيز المكاني الذي هم فيه والذي لا يليق به.

كتب: "لا أعتقد أن المنتمين إلى شريحة (إكاون) أكثر بعدا عن الحق من كفار قريش وقد جالسهم رسول الله صلى الله عليهم وسلم ورآهم رؤية العين..."، ورآى موسى وهارون عليهم السلام فرعون وقالا له قولا لينا... وبالتالي فإن رؤية أهل الباطل وأهل الفسق لم تحط من قيمة الأنبياء والرسل ولا أعتقد أن شريحة (إكاون) مهما كانت المآخذ عليها تكون أكثر ضلالا من مشركي قريش ومن فرعون، فأي منطق استخدم وعلى أي نقص اعتمد الداعية محمد ولد سيد يحي في ما قال؟. وهذا استدلال في غير محله ولا يمكن لطالب علم أن يستنتج هذا الاستنتاج من هذه المعطيات إلا إذا كان مريض الفهم سقيم البناء المعرفي من الأساس. وللنزول مع الأستاذ إلى القاع حيث نزل، ونسأله: ماذا يمنعك من التعلم والجلوس جلسة المتعلم وتسأل الشيخ سؤالا استفساريا لا سؤالا استنكاريا، لكن أنا أجيبك بدل الشيخ، حيث أن القاع الذي نزلت فيه لا ينزله الشيخ ونرجو من الله أن يثبته على الطريق القويم. ولكن قبل أن أجيبك أسألك هل رأيت الشيخ يتردد على غيرهم (إكاون) من الأسر لدعوتهم أم هل رأيته يسعى ليلتقي الشرفاء أو الإماء أو الحكام أو المحكومين، مهندسين وأطباء وضباط ليعرض عليهم دروسه ويدعوهم إلى الاستقامة، أما قياسك يا أستاذنا على الأنبياء والرسل فهذا قياس مع الفارق ولا أحتاج لبيان فأنت خير العارفين بذلك ولكن خانك القلم ربما.

أما استشهادك أنهم حضروا دروسه واستمعوا إليه رغم أنك أوردتها تكذيبا ضمنيا للشيخ حاشاه من ذلك واستمعوا إليه حجة عليك لا تسعفك بشاهد من الاستدلال فيما ترمي إليه. وكلما في الأمر أن الأستاذ أراد أن المجالس التي تقام فيها الحفلات ويحضر فيها (إكاون) كما أحببت أن تسميهم ليست له بمكان وجاء ذلك في إطار ومعرض واضح لمن يفهم، إذ قال وبوضوح: ... إنه لما كان الموقف موقف نصرة تحطمت كل الحواجز عنده حتى التي كانت بينه وبين تلك المجالس، وحتى جاء إلى دار الشباب التي لم يسبق له أن زارها تحت أي ظرف. والسياق ظاهر لكل عقل وبصيرة ويشهد له كذلك ما أدرجته في كلامك من أن هذه المهنة يمتهنها من ليس من هذه الشريحة. وسألت سؤالا استنكاريا آخر يا صاحب الفكر الإسلامي المنير عن حكم جواز هذه الرؤية (رؤية المغنين من غير إكاون وكذا غير المغنين من إكاون)، وكأن الشيخ قال بحرمة رؤية المغنين وأعتقد أنه أصابك مس من الشيطان أو سنة من النوم وأنت تكتب هذه السطور، إذ كيف بك وأنت الأستاذ الجليل والمفكر وصاحب الدراسات العليا أن تخبر الأستاذ بأنهم لا يغنون لأنفسهم وتريد أن ترتب على ذلك نتائج علمية واستنتاجات عملية، حيث إن كلامك يأتي بمتلازمة جديدة مفادها أنه لا يمكن أن يستنكر الغناء وينتقد المغنون دون أن يشرك في ذلك النقد من يستمع إلى غنائهم، حيث إن منطق متلازمتك هذه يحكم علينا بأنه لا يمكننا أن نستهجن شرب الخمر دون عصرها وبيعها وكل ذلك محرم في شرع الله أو أن نستهجن التدخين دون أن نشرك في ذلك الاستهجان بيع وصناعة التبغ.

ثم القشة التي قصمت ظهر البعير وأظهرت أستاذنا مظهرا لا يليق به، حيث طفق في مقاله يجمع المبررات ومن بين ما جمع أن وسائل إعلامنا الرسمية وغير الرسمية لولا الحفلات الموسيقية والغناء لما بثت شيئا ولأغلقت لأول وهلة، وهذا موقف لعمري يظهر مفكرنا عاجزا دون تقديم أي شاهد من الفكر والعقل يدعم به مقاله الذي جاء تحاملا على أستاذ شهد له هو قبل غير وربما لا يحتاج لتلك الشهادة بل ربما ظهر هذا المقال خاليا من المحتوى لولاها.

جاء في مقاله حتى لا أقول كان خاليا من المحتوى بعض آراء أهل العلم حول الغناء وكان ذلك استشهاد خارج النص، حيث إن المقال كان لبيان خطإ رأي الأستاذ حول شريحة (إكاون) فإذا به يدرج عن غير قصد الآراء الفقهية حول جواز الغناء وحرمته، وكأن الموضوع موضوع الغناء (حرمة أو جوازا) وهذا ما دفعني للكتابة إذ واضح من كلام الشيخ أن المسألة تتعلق بالغناء والحفلات الموسيقية فإذا بمفكرنا يحوله إلى انتقاد شريحة (إكاون) تأسيا بالذين سبقوه بالكتابة لإلهاء الرأي العام عن الموضوع أو السياق الذي جاءت فيه وهو النصرة وحضور المجالس العامة والمهرجانات والتظاهرات العامة.

ولا أريد أن أسترسل في هذا وأصل إلى خاتمة ختم بها أستاذنا وهي أن الشيخ له أخطاء منها موقفه من شريحة (إكاون) ليعزف سيمفونية الحداثيين على نهج الذي تسببوا أولا ويتسببون دائما في النزول إلى هذه الأوحال التي تجر الفكر إلى الإنزلاق وترمي بغير المتبصرين إلى مزابل التاريخ والإلحاد، وأجل أستاذنا الفاضل عن مثل هذه المنازل ولكن وجب التبيين، وقديما قيل: إذا عرف السبب بطل العجب، وهذا لعمري محتوى يعكس ويفسر ظاهرة حيرت وأربكت القائمين على التعليم بصفة عامة وهي ما هو سبب تدني المستويات التعليمية والإجابة طبعا من كان أستاذه بهذه الدرجة فكيف له أن يرتقي.

وأخيرا أقول ما قال ربنا جل في علاه: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ. لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}.

كتبه/ النكرة أبي ابن المحفوظ