
في صباح يوم الخميس الموافق 23 نوفمبر 2017 ،أتى عنصران من أفراد الشرطة يرتديان زيا مدنيا لمنزل أهلي بلكصر، كنت حينها خارج المنزل، فأبلغوا الأهل بأني مطلوب عند مفوضية الشرطة بلكصر ،فقالوالهم بأني قد ودعتهم ليلة البارحة متجها رفقة صديق لي إلى العاصمة الإقتصادية انواذيبو.
في صباح الْيَوْمَ الموالي ،أستقيظت على رنين هاتفي فأخبرني أحد أفراد أسرتي بأن الشرطة تبحث عني ،كما دأبت على اعتقالي عند كل مناسبة عيد استقلال ، فسألته عن المفوضية التي تبحث عني ، فأجابني : " إنها مفوضية لكصر(1) " فبادرت بالذهاب إليها ، فوجدت شرطية في الاستقبال فعرفتها على شخصي وبأنني جئت للاستفسار عن سبب بحثهم عني.
فأستغربت الأمر، وقالت لا علم لدي بالأمر ، فسألت أحد الأفراد ، حيث أكد لها الأمر وأبلغت العناصر المكلفة بالبحث عني وقد حضروا على الفور، فأخبروني بأن المفوض هو من كلفهم بإحضاري وبأنه سوف يلتقي بي فور ماينهي اجتماعه مع الحاكم حول نشاط المعارضة الديمقراطية الذي تم منعها من تنظيمه يوم عيد الجيش.
بعد انتظار دام كل ساعات الدوام الرسمي، حضر المفوض وأبلغني" بأني موقوف بأمر من وكيل الجمهورية "، فسألته عن تهمتي فلم يجبني، ليستدعيني بعد ذلك بساعات، فسألني "لماذا أنت موقوف" !!!!
فأجبته بأني منذ الصباح الباكر ، أنتظر منكم الجواب على هذ السؤال ، وليس لي من التهم سوى أنني معارض لهذ النظام الفاسد،فأعاد علي جوابه السالف فأخبرني بأني موقوف بأمر من وكيل الجمهورية - هذه المرة قال -بانواذيبو،
فسألته عن السبب فقال " لا اعرف، غدا سيتم تحويلك إلى الوكيل " وهو ماحدث بالفعل.
في صباح اليوم التالي، تم تحويلي إلى وكيل الجمهورية بمحكمة انواكشوط الغربية، الذي أمر بدوره بتحويلي إلى انواذيبو.
رحلة من سلب الكرامة
في نفس اليوم تم اقتيادي من طرف عنصرين من الشرطة فوضعوا يدي خلف ظهري وكبلوني بالأصفاد الحديدية، وذهبوا بي معهم إلى محطة للباص بلكصر فلم يجدوا رحلة متوجه إلى نواذيبو، ليتجهوا بي أيضا نحو محطة أخرى، فكانت محطة الباص بملتقى طرق "صباح" حيث وجدوا مقاعد شاغرة.
ادخلت الباص مكبلا وعلى أعين الجميع، دون مراعاة للمشاعر الإنسانية، لأكون محط أنظار الجميع وربما سبهم ولعناتهم، فبهذه الوحشية لايمكن أن يكون الجرم هينا!!
وبعد انطلاق الرحلة وفي منتصف الطريق تقريبا طلبت منهم أن يوقفوا الباص لقضاء حاجة، كما يطلب الركاب عادة، لكنهم رفضوا، مقدمين. قنينة - إن كان ولابد - لأجعلها مرحاضا، كل هذا على عيون الركاب!!!
إلا أن الركاب رفضوا أن تتحول الحافلة إلى مراحيض، واستنكارهم لهذه المعاملة السيئة، مااضطرهم للسماح لي بقضاء حاجتي خارج الحافلة، وقد أحرجهم الركاب ماجعلهم يخففون من سوء المعاملة، إلى أن وصلنا مدينة انواذيبو في حدود الساعة السادسة مساء، ليتجهوا بي عبر سيارة أجرة مصفدا إلى إدارة "الأمن".
في ضيافة مفوضية الجديدة
أمرت إدارة الأمن بإيداع لمفوضية الجديدة(1) لأمضي بها يومين قبل ان يتم عرضي على وكيل الجمهورية.
متاهات التحقيق
صبيحة الْيَوْمَ الثالث بنواذيبو، أستدعيت للاستجواب من طرف وكيل الجمهورية، الذي قال " هناك شخص تقدم بالشكاية منك وهذا المحامي يمثل ذلك الشخص ، ويتهمك بالتشهير به على صفحتك بالفيسبوك ويطلب منك الإعتذار
كان ردي على الوكيل ، هو نفي مانسب لي تماما لأني لم أشهر بأي شخص على صفحتي الفيسبوك وبإمكان جميع المتابعين للصفحة التأكد من ذلك من خلال الصفحة طبعا،
معتبرا أن هذا النظام الفاسد قد دأب على اعتقالي بحجج واهية في كل ظرف سياسي حساس .
فأمر وكيل الجمهورية بتحويل الملف إلى قاضي التحقيق بعد أن طالبت النيابة بإداعي للسجن ، وبعد اطلاع القاضي على الملف، وغياب أدلة الشاكين ، أمر ضابط الشرطة بإطلاق سراحي بضمان شخص على أن أعود إليه يوم الأربعاء.
فرضت ذلك لكوني كنت أتوقع منهم تفنيد الشكوى لعدم وجود دليل ضدي، ولَم أفهم على أي أساس أمر بتمديد ايقافي في نفس المفوضية وبعد يومين استدعاني ليأمر بإيداعي للسجن المدني في مدينة انواذيبو .
في غياهب السجن
عند وصولي للسجن قام القائمون عليه بمصادرة جميع مابحوزتي بإستثناء بعض النقود ووضعي في زنزانة صغيرة الحجم مع إثنى عشر شخص من أصحاب السوابق العدلية ما بين (قاتل ، مغتصب وسارق) .
كما منعوني من الكتب وحتي الطعام الذي كان يأتيني من خارج السجن الذي كنت أطلبه كبديل عن طعام السجن المعروف ب ( داكا)، كما منعوا إدخال الدواء وقد أحتجيت على هذه الظروف المأساوية التي لايمكن النوم فيها ، إضافة للإكتظاظ في الغرفة والموسيقى الصاخبة التي تزلزل الأسماع، وعندما قمت باالإحتجاج على هذه الظروف المأساوية اعتبروه تحريضا وقاموا بوضعي في السجن الانفرادي المعروف (بسلور) وهو عبارة عن زنزانة ضيقة جدا ومليئة بالقاذورات
بحيث لا يستطيع الشخص التسطح داخلها ومقيدا كذلك بالاصفاد الحديدية كل يد مقيدة مع رجل على حدة ، وقد أمضيت في هذ الحال يومين ليتم إخراجي منها وتحو يلي إلى زنزانة أخرى أمضيت فيها قرابة أسبوع ليعيدوني إلى الزنزانة الأولى التي ذكرت آنفا وذلك ماجعلني أدخل في إضراب عن الطعام استمر لأسبوع كامل.
السجن بإسم الحرية المؤقتة
بدأت ظروفي الصحية تسوء واتضح أن الأمن نجح في إلباس تغيبي عن الفعل النضالي ، لبوس الحساب المستعار واستخدام أطراف ماكان ينبغي أن نكونا طرفي نزاع، ورغم ذلك أبى زملاء في النضال من حزبيين وحركيين ومدونين أن أضيع في زنزانة قذرة إلا أن ينهوا الأمر بكل السبل ،فتحركوا بإستخدام طرق إجتماعية لإنهاء هذا الإعتقال في ثوب إجتماعي، بعدما تبين أن طريق العدل مسدود.
ليتم الإفراج عني بغرامة مالية بلغت بمليون أوقية ، بعد 46 يوما على سجني تعسفيا .
وفِي الأخير، أشكر كل أولئك الذين وقفوا معي بدون إستثناء، وأحييهم تحية تليق بنبلهم وسمو أخلاقهم وطيبة معدنهم، أما النظام المافيوزي، فقدألهمني طريقة جديدة للنيل منه وعزما لايلين في الدفاع عن القيم والثوابت التي أومن بها والتي تخدم أبناء هذا الشعب المجيد.
ويستمر النضال...
محمد محمود المجتبى