
قضية ولد امخيطير ليست قضية حقوقية، مهما حاولت المنظمات الحقوقية الغربية وبعض المحلّيّين تسويق العكس. وإن كان فيها انتهاك لحقوقٍ ما فهو انتهاك لحقوق أُمَّة ودين وسِلم اجتماعي.
أما بخصوص الرأي الفقهي فيها، فلا تُنتظر الفتاوى ولا المواقف الدِّينِيَّة عادة من المنظمات الجمعوية ولا الأحزاب السياسية. والمتابع يعلم بأن كلا من الدكتور محمد المختار الشنقيطي والدكتور محمد عالي ولد لولي، وهما رئيسان سابقان للمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان بالمناسبة، كتبا مقالين مطولين، تعليقاً على قضية ولد امخيطير، قالا فيهما بأن عقوبة المرتد أخروية لا دنيوية. وأضاف الدكتور ولد لولي في مقاله المنشور على موقع المرصد بأن "قتل المرتد لا ينسجم مع حرية الاعتقاد التي أقرها الإسلام". فيما كانت هناك مقالات وآراء فقهية كثيرة تمثّل رأي جمهور علماء المسلمين في قضية الرّدة.
للأسف، تشرّبت مجتمعاتنا القيم الغربية بروح الانبهار والتبعيّة، فأصبحت لا تتوقّف مثلاً عند كون عالم بمكانة سلمان العودة (يتابعه حوالي 15 مليون شخص) يشرف الآن على الموت في سجون آل سعود دون أية ردة دولية، في حين أنه بمجرد إعلان أي شخص في بلداننا عن المثلية أو الرّدة عن الإسلام تتنافس السفارات والمنظمات الغربية والاتحاد الأوربي في الدفاع عنه، ويُنتظر من المنظمات المحلية مناصرته وتبنّي قضيته.
باختصار، هذه القضية ليست قضية حقوقية، بل هي جريمة اعتداءٍ على حقوق دين ومجتمع، والأولى أن تُترك للقضاء كأي انتهاك قانوني مماثل. وتجاهلها من قبل المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية هو الأصل، وإن كان هناك تساؤل أو استغراب فتوجيهه إلى من يحاول أن يجعل منها قضية حقوقية أو "نازلة" دينيّة أولى.
ثم إن الإيحاء أصلاً بأن هناك قيماً حقوقية كونية "Universal Human Rights Values"، حتى ينسجم معها الإسلام أو الإسلاميّون، مسألة قد تنطلي على البعض، ولكن ليس من هؤلاء قطعاً مَن يدركون بأن المصادقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 (المرجعية الحقوقية العالمية) تمّت والولايات المتحدة لا تزال تمنع السود من حق التصويت، وتمارس سياسة الفصل العنصري. وأن وفرنسا، التي ارتبط هذا الإعلان باسم عاصمتها باريس، لا تزال يومها تستعمر شعوباً كثيرة من المعمورة، وتمتلأ سجونها بالآلاف من دعاة التحرر والمناضلين من أجل الكرامة الإنسانية.
وآخر من يقتنع بكونيّة تلك القيم، على الأقل، من يجلس الآن على مرمى حجر من وزارة الخارجية الآمريكية (قائدة "العالم الحر")، وهي تمتنع حتى اللحظة، وربما إلى الأبد، من إصدار تقريرها الحقوقي السنوي لهذا العام، رغم جهوزيته منذ أكثر من شهر، في انتظار أن تشطب وتُعدّل الإدارة الآمريكية الحالية كل ما له علاقة بقضايا المثليين وختان الإناث والتمييز العرقي.. لكي ينسجم مع رؤيتها الدِّينِيَّة و"العنصريّة".