
حين تكون في شعب من شعوب الأمة الإسلامية اسما ومهجة وهوى أم أننا في مجتمع من العوام تختلط عليه المفاهيم ويقول ما لا يريد. هنا لا أريد تهويلا ولا لفتا للأنظار بقدر ما أريد أن أستفسر لأتبصر أولا وأنبه ثانيا إلى خطورة ما يقال جهلا أو عمدا في باب القضاء والقدر عندنا وكيف ينجرف الموحدون وأقول الموحدين لأنني على يقين من جهلهم لما يتلفظون به ولكن يجب أن نتعلم لئلا نخرج عن سواء السبيل وننحرف إلى غير هدى. القضاء والقدر والمشيئة نؤمن بها إجمالا وقد يكون هذا القدر من الإيمان يكفي للعوام دون أهل العلم، لكن حين تبرر به الأخطاء والذنوب ويتحلل به من الالتزامات تثور مشكلة الفهم الخاطئ التي تجر صاحبها إلى عقيدة الجبرية الفاسدة عندنا إن كنا حقا من أهل السنة والجماعة. وهذا السفر من اسفار الاستفسار يأتي في وقت ضيق، حيث ظروف صحية وانشغالات ببعض الضروريات ولكن بعض الأحبة يلحون علي حيث وعدت به وربما كان وعدي نوبة من المرض، لأنني لست مستعدا لكتابته من حيث الظرف ولكن قدر الله وما شاء فعل، وأستهديه سبحانه فهو الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد. حكم الله قدره وما قدر في سابق علمه والإيمان بالقدر من أسس وركائز إيمان المسلم فلا يتم إيمانه إلا به ووجوبه أو وجوب الإيمان به قائم الدليل في حاليه (الخير والشر) إذا جاز أن نسميه شرا، حيث قدر الله على المؤمن كله خير، لكن المسلم إذا توهم أن الله كتب عليه الخير والشر فإن حياته أصبحت محدودة وهو فيها مقيد ومقيد الفكر مشلول الحركة إذ منطق الجبر في كل شيء هو عقيدة الجبرية وهي عقيدة فاسدة انطلاقا من عقيدتنا، عقيدة أهل السنة والجماعة ولا أحتاج إلى بيان في هذا الصدد. قال الحق جل وعلا: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ}. ففي التفسير نجد هذه المناظرة التي ذكرها الله تعالى وشبه تمسك أو تشبث المشركين بها في شركهم وتحريم ما حرموا، فإن الله مطلع على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه وهو قادر على تغييره بأن يلهمنا على حد قولهم: الإيمان أو يحول بيننا وبين الكفر فلم يغيره فدل على مشيئته وإرادته ورضاه منا ذلك، فقالوا: {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ}. وكذلك في قوله عز وجل: {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. ولكن الله سبحانه وتعالى أخبرنا بأنهم كاذبون بهذا القولن حيث قال جل من قائل: {هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ}. وحين يتمسك موحد بحجة داحضة كحجة هؤلاء التي أخبرنا الحق سبحانه عنها ألا يكون مخطئا؟ وحين يقول الحق جل وعلا: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}. أي بينا له السبيل وأوضحناها له إما شاكرا وإما كفورا وبين الحق جل جلاله جزاء الكافرين والشاكرين، لكن حين تعلم يا عبد الله أن في قوله تعالى في الآية السابقة أن الله خلقك ليبتليك وهداك النجدين على تفسيرها الذي يعني طريقي الخير والشر وهو تفسير مشهور، فهل لك أن تتخلص من فعلك السيئ والتزاماتك لتقول قدر الله والله تعالى يقول: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. فهل الابتلاء إلا لإقامة الحجة عليك في ما تختار، إذ لإقامتها لابد لك من الاختيار فأين تجد عذرا حين تقول في كل فعل تفعله وكل التزام تخل به وكل وعد تعده ولا تفي به قدر الله. رضي الله عن عمر بن الخطاب حين أقيم شارب الخمر بين يديه وسأله، قال: والله يا أمير المؤمنين إنما شربتها لقضاء الله تعالى، قال: "أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر ومرة لأنه افترى على الله، بعد أن قال له ويحك إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار للاضطرار. فحين نجد الحق جل جلاله يقول: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}: (قال محمد بن كعب القرطبي، لما قالوا: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ}، رد عليهم بقوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}، يقول لو شئت لهديت الناس جميعا فلم يختلف منهم أحد ولكن حق القول مني)، الآية. ذكر ابن المبارك في رقائقه في حديث طويل في التذكرة: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} في معناه قولان: أحدهما أنه في الدنيا والآخر: أن سياق الكلام يدل على أنه في الآخرة أي لو شئنا لرددناهم إلى الدنيا والمحنة كما سألوا ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين أي حق القول مني لأعذبن من عصاني بنار جهنم وعلم الله تبارك وتعالى أنه لو ردهم لعادوا ، كما قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. وهذه الهداية معناها خلق المعرفة في القلب وتأويل المعتزلة: ولو شئنا لأكرهناهم على الهداية بإظهار الآيات الهائلة لكن لا يحسن منه فعله لأنه ينقض الغرض المجرى بالتكليف إليه وهو الثواب الذي لا يستحق إلا بما يفعله المكلف باختياره، وقال الإمامية في تأويلها أنه يجوز أن يريد هداها إلى طريق الجنة في الآخرة ولم يعاقب أحدا، لكن حق القول منه أنه يملأ جهنم فلا يجب على الله تعالى عندنا هداية الكل إليها؛ قالوا: بل الواجب هداية ال