
الحقيقة – انواكشوط - في نهاية الستينيات وجه حاكم مقاطعة آمرج خطابا إلي الجمهور ركز فيه علي محاربة القبلية والطائفية في فترة عز بناء الدولة الموريتانية تحت إمرة الأستاذ الرئيس/المختار ولد داداه, لاكن يبدو أن العبارة كانت قد خانته ووصل به تحمسه أن (قال: لقبيلات...وأشياء من ذالك القبيل وهددهم بتقييد أي شخص مهما كانت مكانته الاجتماعية وتركه مرميا تحت لفحات الشمس يوما كاملا إن حدث و تسبب في أي مشكل من قبيل شجار بين فئتين لأي سبب من الأسباب (أغلبية المشاكل والصراعات هنالك كانت ومازالت تحدث بسبب المياه والزراعة الموسمية إذ يرعي مواشي البعض في مزارع البعض أو يحاول البعض السيطرة علي بئر وهكذا تبدأ الشرارة الأولي )...ومازال بطلنا يتحدث حتى خرجت امرأة ثلاثينية وتقدمت نحوه بخطوات ثابتة دون شد انتباه الحرس المرافقين له وضربته بحذائها علي الوجه وهي تلعن وتتوعد...وعندما حاول الحرس الإمساك بها طوقتهم الجماعات محليا وكادت أن تكون كارثة لولا المناورة التي قام بها قائد الحرس إذ كان للحرس دور قوي حينها في السيطرة علي الكثير من الأمور دون اصطدامات نظرا لقربهم من المواطنين واحتكاكهم بهم زد علي ذالك الخدمات الاجتماعية التي يقدمونها للمجتمعات محليا...( لم يكن الحرس جيشا بمفهوم الجيش ولم يكونوا شرطة بمفهوم الشرطة عندنا كانوا في الوسط،أي أنهم عين ثاقبة للحاكم وأذن صاغية للمجتمع) ...لم يعد الحاكم إلي المدينة وبقت المدينة لفترة طويلة دون حاكم حتى هدئت الأوضاع...في سنة 1974 وفي فترة ولاية المقدم الرئيس/ المصطفي ولد السالك للحوض الشرقي كان للشرطة موعدا هذه المرة مع أهل النعمة وقد هاجم بعض المواطنين مخفر الشرطة الوحيد هنالك بسبب قضية لا أتذكرها وإنما أتذكر أن الشرطة طردت من النعمة ولم تعد إليها إلا في بداية الثمانينات. في خريف سنة 1975 وصل بعض الطلاب العائدين من الدراسة من نواكشوط إلي قرية عدل بقرو علي الحدود مع مالي وكانوا قد اعتادوا أن يقوموا بأنشطة ثقافية رياضية تعبوية,بما يسمي قديما عندنا ب ( تياطر ) أي المسرح وهي عادة كانت محمودة,جميلة وهادفة في فترة الخريف استهدفوا فيها تلك الليلة مراوغات ( الجمارك مع المهربين ) علي الحدود وكان الموضوع ( تهريب تبخت مالي ) ولم تعجب طريقتهم في تقديم الموضوع علي الخشبة المجموعة الجمركية المغرورة هنالك فحصل في يوم غد ما سمي في ما بعد ب (ديقت أتلاميد وأدوان ) كانت الأمهات والأخوات يزغردن ويقدمن للطلاب العصي (أدبابيس ) والشراب ويشجعنهن بالضبط كما يتم تشجيع مباراة ملاكمة وبالكاد استطاع الحرس تفريق الشجار لقلتهم وقد كانوا يأخذون الطلاب واحدا تلو الآخر ليرموهم في السجن ويعودوا لأخذ آخر...بعد نهاية الشجار هاجمت النساء المتحمسات السجن وكسرن أبوابه لتحرير الطلاب أمام أعين الحاكم والحرس وجرحي الجمارك... ليس هذا إلا قليل من كثير من منطقة واحدة فما بالك بالمشاكل اليومية التي كان يعاني منها النظام في كل تلك المناطق الشرقية؟ أعتقد أن الحكام والولاة وقائدي الحرس خاصة والدرك...عندهم الكثير من القصص عن رفض أهل المنطقة الشرقية الذعون لنظام الدولة وللمستعمر من قبله كما (أعتقد أن قصة زيارة المختار ولد داداه لباسكنو وطلبه لجماعة أولاد داوود بقيادة الزعيم حننا لمساعدته في حماية تلك المناطق هنالك علي حدود مالي دون أن يعطيه السلاح أو يرسل إليه أي جندي في البداية...أنها كانت أيضا إشارة واضحة علي أن الشرق كان دويلات في دولة ) المهم أن الدولة الموريتانية في بداية نشأتها دخلت في حرب مع الصحراء مما أدي إلي توجيه كل قوتها ( البشرية والعسكرية والمادية ) إلي حرب الصحراء واستخدمت الإدارة ما يسمي بالهيمنة الكاملة علي كل تلك المناطق فصدرت تعليمات باستخدام كل الوسائل المتاحة لتوقيف أي نشاط قد يكون: ثوري، تمردي ،سياسي وحتي اجتماعي هنالك...لم تعد تهمهم مطالب الشعب كان المهم هو إظهار قوة الدولة وانه لا يجب إعطاء اي فرصة لأي كان للتقليل من احترام مؤسساتها وقد استخدمت تلك السياسات المهيمنة من نظام قوي ومسيطر حينها بطريقة قوية في المناطق الشرقية دون غيرها بسبب التقارير السلبية الواردة من الإداريين والمخابرات المدنية والعسكرية و الدرك والحرس هنالك
في منتصف سنة 1978 قام أبناء (الشرق – الحوض الشرقي / لعصابة- أساسا ) بأول انقلاب عسكري والغريب في الأمر أن العقل المدبر والمنسق للانقلاب لم يكن موجودا في نواكشوط ولم يكن يخدم في القصر الرئاسي فقد كان الرائد جدو ولد السالك رحمه الله يخطط لانقلابه من الجبهة فقد قال لي أخوه المختار ولد السالك الذي كلف بمهمة أخذ الرئيس إلي المكان المحدد أنه كان يتحدث معه أي جدو( الذي كان يتقدم مع مجموعته إلي نواكشوط ) عبر اللاسلكي ويسأله عن الوضع وتجاوب الآخرين ثم يعطيه الأوامر فيتبعها...دخل المختار ولد السالك ( نواوداري ) علي الرئيس في غرفة نومه ووقف أمامه بكل ثقة وهو لم يبلغ حينها الثلاثين مرافقا للضابط مولاي هاشم المرافق العسكري حينها للرئيس وقال له بكل أدب واحترام: سيدي الرئيس لقد انتزع الجيش ثقته منكم وأرجو أن تأتوا معنا (انتهي الاستشهاد ).
لم يكن الانقلاب العسكري باسم أهل الشرق ولم يراد لنتائجه أن تكون لفئة أو جهة كان الانقلابيون الواقفون علي الحقائق المرة يرون في الانقلاب نوع من التصحيح وكانوا يهدفون أن توجه كل تلك الثروات والطاقات إلي بناء ذالك الكيان الذي مازال حينها في طور النمو ،المسمي الجمهورية الإسلامية الموريتانية وأن يترك للشعب الصحراوي الحرية في تحديد مصيره وقد كانت لتلك الثورات المتتالية من الشعب (والحراك الشبابي خاصة الكادحين والنقابات الحرة ) إشارات واضحة أيضا بما يكفي لدعم نهجهم...ومن هنا ولد جيل الانقاذ الوطني الذي سيطلق بعد ذالك علي اللجنة...ويعقبه الخلاص ليتواصل مسلسل الانقلابات...
بعد السيطرة علي الوضع ونجاح الانقلاب كان الانقلابيون يتدافعون فيما بينهم مسئولية تكليف احدهم مهمة قيادة الدولة حتى تم اختيار المقدم المصطفي ولد السالك (الأقدم-والأكبر سنا حينها-والذ