
لأنك لا يمكن مهما بلغت من المهارات أن تدافع عن نظام فاشل و لأن دفاع كلاب العصابة المسعورة عن ولد عبد العزيز أصبح مدحا بما يشبه الذم بل بما يتجاوز أقبح درجات الذم، بعد انكشاف كل حقيقته للجميع ، أصبح "مَدوَل" السلوقية يشاكس بحماس الأجير و انفعالات الممثلين و دموع التماسيح ، كل من يشكل خطرا على هذه العصابة المحاصرة دستوريا و سياسيا و شعبيا و عسكريا ، محليا و خارجيا.
ـ كانت معالجة عبد الله ولد النم لـ"نداء مقاومة الطغيان" الذي أطلق عليه عبارة "رسالة" تحاشيا لنكء حساسية ولد عبد العزيز المفرطة من صعقة العنوان المدوية، في منتهى الابتذال و السخافة؛ فبدل الحديث عن محتوى "النداء" تحدث عن كاتبه ("يمر بوضعية نفسية مقلقة و يعيش هبوطا أخلاقيا غير مسبوق") و بدل الرد عليه ، طفح في كيل المدائح الهجينة للعصابة البائسة ، مدعيا أن الشعب ""متمسك بقيادته و حصيلة إنجازاتها الكفيلة بنجاح مرشحي حزب الاتحاد و قطع الطريق أمام الفضوليين و المتطرفين" ، لنفهم هنا بوضوح أنه كان يتكلم عن رسالته هو لا "نداء" ولد بوعماتو ، الذي أتخذه مطية لتمريرها ، ليس إلا .
"يمر بوضعية نفسية مقلقة" اليوم يا ولد النم، كل غيور يرى موريتانيا في هذا الوضع الفوضوي المخجل و هذا "الهبوط الأخلاقي غير المسبوق" ، المتجسد في تملق النخب و هرولتها أمام الجميع بلا خجل خلف فتات عصابات مارقة تدمر بلدها و تذل شعبها و تستبيح كرامتها ؛ فـ"تمسك بقيادته و حصيلة إنجازاتها الكفيلة بنجاح مرشحي حزب الاتحاد و قطع الطريق أمام الفضوليين و المتطرفين" و اسأل الناس من حولك، من يمر بحالة "هبوط أخلاقي غير مسبوق" و إن كنا نستغرب حقا أن تكون أنت ـ حتى أنت ـ من يتحدث عن الأخلاق؟
و كعادته حين تسرج المطي أمام العواتك، شنف الفنان العظيم أحمد ولد محمدٌ مسامع الحضور ببيت حرب، تهاوت على وقعه سلمى، "أن موريتانيا ودعت و بصورة نهائية الفساد و المفسدين الذين ساهموا في تدمير مقدرات الأمة لتجويع أبناء الشعب الصامد الصبور" . و تتالى البهاليل على الحلبة في حلقة ضائعة من مهرجان المدن القديمة ، ترنم فيها جعفر كامارا بـ"عشرية الحرب على الفساد التي قادها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ضد الفساد و المفسدين" و تراقص ولد أب على إيقاع "مفردات أولاد لبلاد" .
الصوت النشاز الوحيد في هذا الحفل الجنائزي ، كان دور الكومبارس عبد الرحمن ولد يغل "لعل الموريتانيين لن يصدقوا الكذبة مرة أخرى لأن الثعلب لا يمكن أن يتحول دلفينا" . المشكلة يا عبد الرحمن (و هو لقب "كرفاف" في مملكة الحيوانات التي تدعونا لجولة فيها)، هي أن الدلفين في بلادنا أصبح أكثر مكرا من أي ثعلب و الدرويش أعتى صولة من أي مغوار.
أغرب ما في هذه السهرة الممتنعة التنكر للوطنية و الوفاء للعابثين بها ، هو توقيتها الباكر المضبوط على ساعة ولد بو عماتو ، لاستلام جائزة أسرع إساءة إلى الرجل من أيادي من عجزوا عن استمالته و عجزوا عن مواجهته.
هل يعلم هؤلاء أن ولد بو عماتو لو اتصل اليوم بعزيز و قال له سأرفع عنك الحصار مقابل سجن هؤلاء ، سيصبحون جميعا في سجن صلاح الدين بتهمة التطرف و الإرهاب؟
هل يعلم هؤلاء و من يروضونهم على نباح المكابرين على بوابات الرفض و التحدي ، بأموالهم و أرواحهم أن الشعب الموريتاني الوديع ، المتسامح أصبح يوشك في أي لحظة أن يدوسهم بالأقدام في هبة مشحونة تأخرت كثيرتا عن وقتها؟
هل تنتظرون حقا أن نسمع مواعظ و توجيهات من يمارسون الدعارة الثقافية على قارعة الطريقة ، بمثل هذه الوقاحة المبلدة الإحساس؟
ألهثوا ما شئتم خلف من يجوعكم و يحتقركم ؛ الحرب على الفساد أفسدها المفسدون و المفسدون أفسدهم المنافقون :
أنتم حلقة الفساد الأصعب في هذا البلد المثخن الجراح
أنتم بلاء هذا الشعب و عنوان ما يعيش من أتراح
فانبحوا، انبحوا، انبحوا، فأمثالكم لم يخلقوا لغير النباح
كل ما استنتجه الناس من هذه الهبة المسعورة النائحة على حب ضاع كمن يبكيه، هو أن "نداء مقاومة الطغيان" كان ضربة موجعة في الوقت و المكان المناسب، للص محاصر لم يعد يبحث عن غير طريق نجاته.