شكّلت عصابات المافيا، والجريمة المنظمة، إحدى المفارقات المثيرة في أزمة فيروس كورونا المتفشي حول العالم، الذي حصد حياة أكثر من 200 ألف شخص.
ولعبت هذه العصابات، التي اكتسبت ثرواتها من تجارة المخدرات بالدرجة الأولى، دورا إيجابيا فاجأ الكثيرين حول العالم، إذ قدّمت مساعدات مالية، وطرودا غذائية، وقروضا ميسّرة، إضافة إلى تطبيق إجراءات الصحة العامة في بعض مناطق سيطرتها.
وبرزت المافيا الإيطالية بشكل كبير خلال أزمة كورونا، إضافة إلى عصابات الجريمة المنظمة في المكسيك "الكارتالات"، وأبرزها " كارتل سينالوا"، الذي قام عناصره بتوزيع طرود غذائية، ومستلزمات صحية عليها شعار زعيم العصابة "ال تشابو" المعتقل في الولايات المتحدة.
فيما قامت عصابات تسيطر على ما يعرف بـ"مدينة الرب" في ريو دي جانيرو البرازيلية، بفرض حظر للتجوال لمنع تفشي الفيروس، وذلك بعد تقليل رئيس البلاد جايير بولسونارو من خطر كورونا.
وقالت العصابات في رسالة لها: "إن لم تفعل الحكومة الشيء الصحيح، فإن عصابات الجريمة المنظمة ستفعل".
كما نشط دور المافيا في أزمة كورونا بالسلفادور التي ترتفع فيها نسبة الفقر، لتقوم بعض العصابات بتوزيع المواد الغذائية والمساعدات.
استغلال وتجنيد
صحيفة "الغارديان" البريطانية، ذكرت أن نحو 3.3 مليون إيطالي تعطّلوا عن العمل بأزمة كورونا، باتوا هدفا مشروعا لاستقطابهم من قبل "المافيا".
ونقلت الصحيفة عن رئيس مكتب المدعي العام في كانتزارو، نيكولا كراتيري، قولها إن "المحلات والمقاهي والمطاعم والحانات مغلقة منذ عدة أشهر، وهذا يعني أن ملايين العاملين لم يحصلوا على مورد مالي منذ شهر، ولا يعرفون إن كانوا سيعودون إلى العمل".
وتابعت: "لو لم تتقدم الحكومة سريعا وتساعد هذه العائلات، فستقوم المافيا بتوفير خدماتها وفرض السيطرة على حيوات هؤلاء الناس".
وأقرّت وزيرة الداخلية الإيطالية، لوسيانا لامبورغيز، بإمكانية المافيا استغلال أزمة كورونا في تجنيد عدد كبير من الأشخاص لصالحهم.
مدينة نابولي (جنوبا)، التي تعد أحد معاقل المافيا، اضطرت الجمعيات الخيرية فيها إلى مضاعفة أعمالها، ومحاولة توفير أكبر قدر من المساعدات للفقراء، كي لا يقعوا فريسة المافيا.
وذكر أحد مسؤولي الجمعيات، ويدعى أنطونيو لوتشيدي، أن الهدف من جمع التبرعات للناس كي تصدّهم عن قبول عطايا المافيا، متابعا بأن "الجوع يجعل من الصعب مقاومة الإغراءات غير المشروعة".
ورغم أعمالها الخيرية في أزمة كورونا، إلا أن "المافيا" الإيطالية تحدت قرارات حظر التجمعات، بإقامة جنازة لشقيق أحد زعماء المافيا السابقين في صقلية، ويدعى روزاريو سباراسيو، بحسب صحيفة "غازيتا ديل سود".
تقمص دور الحكومة
صحيفة "واشنطن بوست"، قالت إن عصابات الجريمة المنظمة تستغل مثل هذه الأزمات، من أجل تقمص دور الحكومة.
وأوضحت أنه في السلفادور على سبيل المثال، لعبت عصابة "MS-13" دورا كبيرا في محاربة "كورونا"، إذ فرضت حظرا للتجوال في الأحياء الخارجة عن سيطرة الحكومة.
إلا أن صحيفة "EL FARO" السلفادورية الناطقة بالإنجليزية شكّكت في نوايا العصابة، مشيرة إلى أن تشديد إجراءات "MS-13" في مناطق سيطرتها، يأتي تخوفا من إصابة أفرادها بكورونا، وهو ما يعني صعوبة علاجهم في مشافي الدولة.
وأوضحت الصحيفة أن العصابتين الرئيسيتين في السلفادور "MS-13"، "M-18"، ألزمتا مناطق سيطرتها بحظر التجول، إلا أن بعض المجموعات التابعة للثانية لا تزال تأخذ الإتاوات من التجار رغم توقف جل الأعمال، فيما أصدرت "M-18" قرارا لأتباعها بوقف الإتاوات مؤقتا.
وسمحت العصابتان لكل أسرة بأن يخرج فرد واحد منها فقط لشراء الطعام لغاية الساعة السادسة مساء، ومن يخالف ذلك القرار سيتم قتله، أو التنكيل به بالضرب في أحسن الأحوال، بحسب "EL FARO".
"طعام مسموم"
موقع "occrp"، المختص بنشر تحقيقات حول عصابات الجريمة المنظمة، ذكر أن المساعدات التي تقدمها المافيا الإيطالية تحديدا ليست مجانية.
ونقلت عن الخبير في الجريمة المنظمة، سيرجيو نازارو، قوله إن الطعام الذي يقدم للفقراء هو بمثابة السّم، مضيفا: "سيطلبون منك لاحقا دفع ثمنه بطريقة أخرى"، في إشارة إلى ضمهم لتجارة المخدرات والأعمال غير المشروعة.
ونوّه نازارو إلى أن الأعمال الخيرية غير البريئة ليست بجديدة على المافيا الإيطالية، قائلا إنها تنشط في الانتخابات المحلية بجنوب إيطاليا بالطريقة ذاتها، من أجل إنجاح مرشحيها.
عصابات اليابان أيضا
لم يقتصر نشاط المافيا والجريمة المنظمة بأزمة كورونا على الدول الفقيرة، التي يرتفع فيها معدل الجريمة، إذ ذكر موقع "occrp" أن عصابات الجريمة المنظمة في اليابان تتنافس على حصد ثمار كورونا.
ولفت الموقع إلى أن نوع هذا التنافس مختلف قليلا عن الدول الأخرى، إذ تنشط جل العصابات في بيع المستلزمات الطبية، بينا تحاول عصابة "الياكوزا" استعادة سمعتها من خلال تقديم المساعدات.
وذكر الموقع أن "كورونا" أضر بشكل كبير بالجريمة المنظمة في اليابان، إذ تعطلت كافة أعمال تجارة المخدرات، وأغلقت بيوت الدعارة أبوابها، وهما أهم مصدري دخل لهم.
وأوضح أن قادة عصابات اليابان جلهم من كبار السن، على غرار نظرائهم في إيطاليا، وبالتالي اضطرت العصابات لإلغاء تجمعاتها؛ تحسبا من تفشي "كورونا" بين أعضائها وقاداتها.
وكان لافتا أن عصابة "الياكوزا" العريقة عرضت مساعدتها في تطهير وتعقيم سفينة "دايموند" الموبوءة بكورونا قرابة السواحل اليابانية، وهو ما رفضته الحكومة.
وبحسب الصحفي الياباني غاريو أوكيتا، فإن "الياكوزا" تحاول في كل أزمة إعادة فرض اسمها، والتقرب من الشعب، إذ قامت عام 2012 بإرسال عمال لتنظيف مفاعل فوكوشيما الذي تعرض لكارثة إشعاعية قبل ذلك بشهور.
ورغم إلقاء السلطات القبض على الرجل الثاني في العصابة؛ لإرساله العمال دون استئذان، أوضح أحد المسؤولين بـ"الياكوزا" أنهم قاموا بذلك نظرا لهروب الجميع، مضيفا: "نحن لسنا أشرارا".