قال المدير العام لمركز الموطأ بالإمارات، الأستاذ خليفة مبارك الظاهري، إنّ الكثير من الجانب الفقهي من التراث الإسلامي كان مناسبا لزمانه ولا يزال بعضه كذلك، إلّا أنّ كثيرًا منه يحتاج إلى قراءة دقيقة وتجديدية تراعي الزّمان والمكان وحال الإنسان وظروف العالم”. وأكّد في حوار خصّ به “الخبر”، أنّ “المركز يُعدّ ذراعًا بحثيًا مهمًا للأكاديميات والمراكز المهتمة بالتّعليم الدّيني”، موضّحًا أنّ “المركز نجح مع بعض الجامعات المهتمة بالتّعليم الدّيني في تبنّي المنهجية العلمية الّتي يقوم عليها المركز في التّعامل مع النّصوص والقضايا الفقهية”.
كيف جاءت فكرة مركز الموطأ؟
مركز الموطأ هو مركز أسّسه معالي الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، ومقره أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، هي فكرة نحو تجديد الخطاب الدّيني، بأسس أصولية ومقاصدية تراعي الواقع والعالم. حيث لاحظ الشيخ عبد الله بن بيه خلال حضوره لعدّة مؤتمرات وترأسه لعدة اجتماعات حول العالم واطلاعه على الأحداث في العالم العربي والإسلامي، أنّ بعض الفقهاء والمفتين يجمّدون على النّصوص الفقهية والأقوال المذهبية، دون مراعاة الزّمان والمكان وحال الإنسان ودون منهجية في تنزيل الفتاوى على محيطها الصحيح وبيئتها السّلمية، ما أدّى إلى نكوص فقهي وتأخّر ركب الفقهاء والعلماء عن مسايرة التطوّر والتقدّم الحاصل في العالم الإنساني. كما لاحظ العلامة الشّيخ بن بيه هناك طرفا آخر معاكسا لهذا الطرف، وهم أناس يضربون بأصول المذاهب الفقهية والقواعد الشّرعية عرض الحائط ويفتون بأقوال لا أسس لها ولا متانة ولا منهجية علمية واضحة، وذلك أدّى إلى إزهاق الأرواح وتخريب الأوطان، كلّ هذا جعل الشّيخ –حفظه الله– يتعمّق في النّظر الفقهي الأصولي من أجل صياغة نظرية سديدة تراعي كلي الواقع وهي نظرية فقه الواقع والتوقّع، فيرى الشّيخ أنّ فهم الواقع هو الوسيلة لتنزيل الأحكام الشّرعية على الوقائع، إنّ التّنزيل والتّطبيق هو عبارة عن تطابق كامل بين الأحكام الشّرعية وتفاصيل الواقع المراد تطبيقها عليه، حيث لا يقع إهمال أيّ عنصر له تأثير من قريب أو بعيد، في جدلية بين الواقع والدّليل الشّرعيّ، تدقّق في الدّليل بشقّيه الكلي والجزئي، وفي الواقع والمتوقّع بتقلّباته وغلباته والأثر المحتمل للحكم في صلاحه وفساده، فقام الشّيخ بعدّة ورشات مؤتمرات في موضوع فقه الواقع والتوقّع في العديد من الدول بالاشتراك مع مؤسسات علمية، نتج عن ذلك فكرة إنشاء هذا المركز المبارك.
ما نوعية التراث الّذي يهتم به المركز؟
يهتم مركز الموطأ بالتراث الإنساني بشكل عام والتراث الإسلامي على وجه الخصوص ونرى التراث هو موروث بشري كان في زمانه مناسبة ولا يزال بعضه كذلك، إلّا أنّ كثيرًا منه يحتاج إلى قراءة دقيقة وتجديدية تراعي الزّمان والمكان وحال الإنسان وظروف العالم، فشريعتنا متجدّدة تحتاج إلى استنباطات جديدة، من تحقيق المناط والنّظر إلى كلي الزّمان والعصر هي إلى حدّ ما كالرياضيات القديمة الّتي كانت تقدّم حلولًا صحيحة، والرياضيات الحديثة تقدّم حلولًا سليمة ومناسبة للعصر.
ما هي أنشطة المركز؟
من أهم مشاريع مركز الموطأ هو برنامج إعداد العلماء الإماراتيين الذي يُعدّ من أبرز مشاريع النّهوض بالتعليم الدّيني الرّائدة في العالم الإسلامي، ويتميّز بالتّجديد والواقعية توفيقًا بين الحكمة والشّريعة وبين العقل والدّين وفق الأسس المنهجية الّتي وضعها معالي العلامة عبد الله بن بيه في التّعامل مع النّصوص الشّرعية لبناء مفاهيم معتدلة ومقاربات واقعية، وذلك من خلال ثلاث سنوات متواصلة يدرس الطالب فيها فنونًا مختلفة من الفقه والأصول والمقاصد والتّفسير ونظرية السّلم وأحكام الإرهاب والتّسامح وفقه الأسرة واللغة العربية بجميع علومها والعلوم الإنسانية، كالفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النّفس.
كما استطاع المركز وبالتّعاون مع جامعة زايد فتح أوّل ماجستير بعنوان “فقه الواقع” وهو ماجستير فريد من نوعه، وجديد من حيث الفكرة والمواد ففيه مواد جديدة مثل المواطنة والسّلم وأحكام الإرهاب ومنهجية دراسة النّصوص وغير ذلك، والحمد لله هناك 12 طالبًا وطالبة التحقوا في البرنامج، ونتطلّع إلى نتائج إيجابية في المستقبل القريب، ويسعى المركز إلى تطويره حتّى يصبح برنامجًا للدكتوراه.
كما أنّ المركز يمتلك مختبرات بحثية في الفقه المالكي وفي أصول الفقه والمقاصد ودراسات صناعة الفتوى، كما له بصمة واضحة في إثراء محتوى التّسامح والتّعايش من التراث الإسلامي.
ويمتلك المركز مجلة الموطأ، وهي مجلة محكمة تعنى بفقه الواقع وتعنى بمنهجية فهم النّصوص الشّرعية، من خلال المقاصد الشّرعية والعلاقة بين خطاب الشّرع والوضع ومن خلال فهم مفردات العرب بدراسة علوم العربية، ومن خلال القراءة الكلية للنصوص وبيان خطر اجتزاء النّصوص، وهو عمل تمارسه الجماعات الإرهابية والمتطرفة لشرعنة عنفهم وأكاذيبهم.
كما يهتم المركز بتطوير التعليم الدّيني ووضع مناهج جديدة، مبنية على الأصول العلمية الشّرعية السّليمة.
كما أنّ للمركز أبحاثًا كثيرة مثل تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع، وكذلك مشاهد من المقاصد للعلّامة ابن بيه وطبع لكثير من العلماء من عدّة دول، ويحرص المركز على المشاركة في معارض الكتب المهمّة لإيصال هذه الرسالة وللالتقاء بالعلماء والمثقفين والمفكرين.
ماذا حققتم إلى الآن؟
الطريق إلى تجديد الخطاب الإسلامي طويل، إلّا أنّ المركز برئاسة معالي الشيخ عبد الله بن بيه بدأ خطوات كبيرة وجادة، فالتّجربة في المختبرات البحثية والتّعليم الدّيني كانت موفّقة ومع الأيّام سوف تتطوّر، والجميل أنّ المركز نجح مع بعض الجامعات المهتمة بالتّعليم الدّيني في تبنّي المنهجية العلمية الّتي يتبناها المركز في التّعامل مع النّصوص والقضايا الفقهية.
ما الّذي يميّز مركز الموطأ؟
يتميّز الموطأ عن غيره من المشاريع بما يحمله من مشروع فكري وواقعي، فمناهج المركز تعمل على إلغاء البتر والقطيعة بين التراث والواقع لدى الطلاب وتؤمن بضرورة التّركيز على أنسنة الخطاب الإسلامي وتجديده، كما أنّ مركز الموطأ يضع نظريات علمية مهمّة في كشف العلاقة بين الواقع والتوقّع والتراث الإسلامي، كما يقدّم قراءات ومناهج نقدية في كيفية التّعامل مع التراث.
وما يميّز المركز أنّه اعتمد في تدريسه للطلبة المنهج العتيق والمعاصر، فالطالب في مركز الموطأ يحفظ كثيرا من متون الفقه ويقرأ كثيرًا من كتب التراث وينظر في كثير من كتب الأصول والقواعد الفقهية، إلّا أنّه لا يغفل عن عالمه ومحيطه. كما اعتمد المركز الكثير من الأساليب الحديثة والمتطوّرة في التّعليم واستفاد من كلّ العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى، فالطالب في مركز الموطأ يدرس المنطق والفلسفة وعلم الاجتماع كما يدرس اللغة الإنجليزية، ولا أخفيكم أنّ الطلاب يبعثون إلى دول أجنبية من أجل تعلّم اللغة الإنجليزية، والنّتائج في ذلك كانت إيجابية وجيّدة.
كيف السّبيل لتطوير مراكز إحياء التراث؟
هذه المراكز إذا كانت تطبع كلّ كتب التراث دون الالتفات إلى حاجة العصر وحاجة المكتبة الإسلامية، فهذا التصرف غير ناجح وليس مجديًا، نحتاج من هذه المراكز إثراء المحتوى الدّيني للمكتبات الإسلامية بالكتب النّافعة، وأمّا الطباعة العشوائية فهي غير مفيدة.
كما أرجو منها التنبّه والاهتمام بدراسة المعاصرة، فنحن نعيش الواقع هذا هو عالمنا، وأمّا الماضي فقد ذهب، نستفيد من بعض أطروحاته المناسبة مع التّركيز على عالمنا، ففيه من القضايا الّتي تحتاج إلى بحث ونظر عميق.
ما هي أهم المشاريع المستقبلية للمركز؟
المركز سيركّز في إنتاج الكتب والأبحاث الّتي تسهم في تطوير التّعليم الدّيني، كما سيركّز جهوده في إقامة عدّة ورشات وندوات علمية افتراضية في الوقت الحالي. كما يقوم المركز بعمل خطّة لتوقيع عدّة اتّفاقات مع العديد من الجامعات المهمّة، فالمركز اليوم يعدّ ذراعًا بحثيًا مهمًا للأكاديميات والمراكز المهتمة بالتّعليم الدّيني.