نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا لمراسلها للشؤون الدبلوماسية في أوروبا، ستيفن إرلانغر، سلط في الضوء على "عزلة الرئيس دونالد ترامب الدولية"، بالتزامن مع أزماته الداخلية.
واعتبر الكاتب في تقريره، الذي ترجمته "عربي21"، أن ترامب يواجه مشاكل متزايدة في الخارج، "فلم يسبق أن كان معزولا ومهملا بل موضع سخرية بهذا الشكل"، مع اشتعال العديد من المدن الأمريكية وتفشي فيروس كورونا، حيث قتل عددا أكبر في الولايات المتحدة مقارنة بأي دولة أخرى حول العالم.
ففي أوروبا، وبعد سنوات من "الازدراء وأحادية الجانب الأمريكية"، توقف حلفاء واشنطن التقليديين عن النظر إليها كقيادة، بحسب "إرلانغر"، ولم يعودوا يثقون بأن هذا الرئيس سيقدم لهم شيئا.
وبدا ذلك جليا هذا الأسبوع عندما قررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عدم حضور اجتماع مجموعة السبع التي بذل ترامب جهده ليتم عقدها في واشنطن هذا الشهر، ليظهر أنه تجاوز أزمة الفيروس وأن العالم يعود إلى وضعه الطبيعي.
وأرجعت ميركل قرارها إلى التهديد القائم لفيروس كورونا، ولكن مسؤولا ألمانيا كبيرا، رفض نشر اسمه، أوضح لـ"نيويورك تايمز" أن المستشارة لديها أسباب أخرى، فهي تعتقد بأنه لم يتم القيام بالتحضيرات الدبلوماسية الملائمة، كما أنها لا تريد أن تكون جزءا من استعراض ضد الصين، وتعارض فكرة ترامب بدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا تريد أن تلعب دورا في معركة سياسة داخلية بالولايات المتحدة.
كما أن ميركل صدمت بقرار ترامب المفاجئ وأحادي الجانب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية، بحسب المصدر ذاته.
ويشير الكاتب إلى أن الهوة بين ترامب والحلفاء الأوروبيين تزداد حتى قبل أن تشتعل المظاهرات في المدن الأمريكية، ولكن الفوضى التي تجتاح شوارع مختلف الولايات تعزز الشعور في الخارج بأن الصراعات التي يبدو أن ترامب يزرعها قد انعكست عليه.
كما أن تهديد ترامب باستدعاء الجيش للتعامل مع مواطنيه، جعله رئيسا يفضل أقرب حلفاء أمريكا النأي بنفسه عنه، وخاصة مع عدم معرفة ما سيكون شكل تحركه القادم، مع عدم الرغبة في الانجرار وراء حملة ترامب الانتخابية.
وقالت ماري أتجي شاك، عضو البرلمان الهولندي سابقا: "يرى زعماء الدول الحليفة الآن أن انتقاد ترامب ينفعهم"، وخاصة مع الفوضى في المدن الأمريكية والمظاهرات التي تؤيدها في الكثير من المدن الأوروبية، بما فيها أمستردام.
وحتى مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل فونتيليز، شعر بالجرأة الكافية للقول إن أوروبا "مصابة بالصدمة والفزع" من قيام الشرطة بقتل جورج فلويد. وشجب "إساءة استخدام السلطة" و"الاستخدام المفرط للقوة" وحث أمريكا على أن تتصرف "باحترام كامل للقانون وحقوق الإنسان".
وتأكيدا على العزلة التي يعيشها الرئيس الأمريكي، فإنه قام يوم الاثنين بالاتصال بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، حيث قام الرجلان بمناقشة الفيروس والتجارة و"التقدم نحو عقد مؤتمر السبع"، بحسب تصريح من البيت الأبيض.
ودعا ترامب بوتين لحضور المؤتمر، بحسب الكرملين. ولكن إن حصل الاجتماع فإن هناك شكوكا حول قبول بوتين بالحضور كضيف فقط، بعد أن طرد من مجموعة السبع لضمه القرم ودعمه لتمرد في شرق أوكرانيا منذ عام 2014.
واتصل ترامب أيضا بالرئيس البرازيلي اليميني المتطرف، جائر بولسونارو، الاثنين.
وينقل الكاتب عن "جوليان سميث"، المسؤولة السابقة في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، القول إن "كل ذلك يظهر مدى بعد ترامب عن حلفائه.. إنه رجل معزول في الوطن وفي الخارج. ويحاول أن يجد أصدقاء في أماكن أخرى، لمعرفته بأن العلاقات سيئة مع الحلفاء التقليديين، ولكن هنالك توتر أيضا مع المستبدين المعجب بهم مثل شي جين بنغ وحتى بوتين".
وقالت سميث إن ترامب يتمسب بالاعتقاد بأنه قادر على "التعدي وإساءة التعامل مع الحلفاء وتوجيه الأوامر لهم والاعتماد عليهم في الوقت ذاته.. وهو لا يدرك أنه بالرغم من كون أمريكا قوية إلا أنها لا تملك القرار دائما".
وأضافت أن رفض ميركل الذهاب إلى واشنطن "يقول الكثير عن مدى سأم العديد من الزعماء في أنحاء العالم، والذين رأوا كم صغير هو العائد الذي جنوه من استثمارهم في العلاقة مع ترامب".
وتابعت بأنه مع الفيروس وأعمال الشغب "فإن هنالك الآن شعورا بأن ضعف أمريكا بدأ يتكشف وبأن الإمبراطور بات عريانا".
وتفككت الخيوط بشكل سريع، بحسب مسؤولين أمريكيين وأوروبيين، فحتى الخميس كان يتم التفاوض على عقد قمة مجموعة السبع في واشنطن مع الدول الأعضاء، وكان يبدو أنه سيتم. ولكن ترامب أعلن الجمعة فجأة عن انسحاب أمريكا من منظمة الصحة العالمية بشكل كامل.
وكما كان الحال كثيرا في الماضي، في قضايا مثل الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاقية النووية الإيرانية أو الاتفاقية المناخية في باريس أو اتفاقية الأجواء المفتوحة أو الحظر المفاجئ على السفر الجوي من أوروبا، فقد أهمل ترامب مجددا آراء حلفائه أو لم يستشرهم نهائيا.
وكان قرار الانسحاب من منظمة الصحة العالمية مفاجئا للحلفاء. وقالت ميركل بسرعة إنها لن تحضر اجتماع القمة المقترح.
ومنذ ذلك الحين، أعلن كل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس وزراء كندا جاستين ترودو، أنهما يعارضان إعادة روسيا إلى مجموعة السبع.
وقال كارل بيلدت، رئيس وزراء السويد السابق، إنه باعتبار القرب بين كندا وبريطانيا من أمريكا فإن "قول البريطانيين والكنديين لا، علانية، أمر غير عادي".
أما بالنسبة لميركل فقال، إنه ضعف التحضيرات دفع الألمان إلى الشك "بأن الأمر لن يتعدى كونه فرصة لأخذ الصور مع ترامب في البيت الأبيض".
وقال ثوماس رايت من معهد "بروكنغز" إنه بالرغم من مخاوف الحلفاء إلا أن خطط اجتماع المجموعة كانت تسير حثيثا على أمل الخروج بموقف قوي تجاه هونغ كونغ ولمحاولة التأثير على سياسات واشنطن بشأن الفيروس.
وقال رايت إن ميركل اتخذت موقفها بعد إعلان ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية: "إن كنت ستكون أحادي [القرار]، فلن أكون هناك لأدعمك"، وأضاف: "يعتقد كل الحلفاء بأنه يتخبط وسيحاولون تجنبه".
وقال المحلل الألماني، أولريك سبيك، إن "ميركل تخلت عن ذريعة أنها كمستشارة ألمانية يجب عليها العمل مع الرئيس الأمريكي بغض النظر عمن هو"، وأضاف أن ميركل مع التعددية "قد آذاها (ترامب) كثيرا وهما لا يتفقان ويختلفان بشأن سياسات كثيرة"، بما في ذلك المواجهة المفتوحة مع الصين.
وتبقى ميركل ملتزمة بالتفاعل الأوروبي مع بكين، وحيث سيتسلم الألمان رئاسة الاتحاد الأوروبي الشهر القادم، فإنها تحاول أن تعقد صفقة استثمار أوروبية مع الصين وتحاول الحفاظ على القمة الصينية الأوروبية المزمع عقدها في ليبزغ الخريف المقبل.
وقال سبيك: "لم تعد مجموعة السبع كما كانت، فبالنسبة لترامب لا توجد روح التعددية بل الأحادية، والاجتماع يخدم هدفا واحدا فقط – إعادة انتخابه".
وقال ثوماس غومارت، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إن الرئيس ايمانويل ماكرون يحمل وجهة نظر فرنسية تقليدية وخاصة بشأن بناء علاقة أفضل مع روسيا بالرغم من القرم.
وقال غومارت: "الشعور في فرنسا تجاه ترامب هو مزيج من الحزن والغضب.. فقد رفض حليفنا الرئيسي أن يمارس دورا قياديا خلال أزمة كورونا وهو أكثر استفزازا تجاه حلفائنا ويخلق انقسامات تستغلها الصين بنشاط كبير".
وقال غومارت إنه بعد حوالي أربع سنوات لم يحقق ترامب أي إنجازات دبلوماسية، فضلا عن عدد من الإخفاقات في كوريا الشمالية والشرق الأوسط والعلاقات المتراجعة مع الصين وعدم تحسن العلاقات مع روسيا.
ويعتقد ماكرون بأن ترامب أضر بالأمن الأوروبي بسبب انسحابه من جانب واحد من الاتفاقية النووية الإيرانية ومن كل اتفاقية للحد من الأسلحة مع روسيا.
وقال ويليام دوزنك، الزميل في معهد بروكنغز، والذي نشر كتابا حول ماكرون بعنوان (آخر رؤساء أوروبا) يقوم على سلسلة مقابلات معه: "ويذكر لماكرون أنه على الأقل حاول مع ترامب"، ولكنه لا يحاول بجهد الآن.
وأضاف: "أن يكون هناك رئيس أمريكي يرفض كل هذه المؤسسات الدولية والاتفاقيات أمر مقلق للأوروبيين مثل ميركل وماكرون الذين يؤمنون بالتعددية".
وتجنبت ميركل السفر إلى أمريكا في سنة انتخابات رئاسية كما أشار دروزدياك، "فهي تعرف أن ترامب على أي حال سيحاول تصوير الأمر على أن الآخرين يقرونه ضمنيا، وهذا آخر ما تريد فعله"، بحسبه.
وقال دروزنياك إنها غير مرتاحة ولذلك قالت لماكرون: "تفضل وكن أنت المحاور، فأنا لا أريد أن أكون في غرفة مع ذلك الشخص".