![](https://www.alhakika.info/sites/default/files/%D8%AA%D9%86%D8%B2%D9%8A%D9%84_322.jpeg)
يتصور البعض أن الوظيفة هي غنيمة وتشريف، وليست الا تكليفا دنيويا، لا علاقة تربط بينه وبين ضوابط التكليف الشرعي في الولايات السرعية، ولا رابطا يربط بينه وبين شرع الله، وأن الحديث عن الشرع في مقام التعيين إنما هو من باب إقحام الشرع في أمور لا علاقة له بها.
والحقيقة أن من يتصور هذا التصور هو شخص جاهل لدين الله، حيث يحسب أن الشرع ترك شارة أو واردة لم يتناولها، وهو خطأ يقع فيه الكثير من العوام بجعل المعاملات لا تدخل في الدين الا من باب الأموال فقط، وحيث يعتقد بالفصل بين ما هو دنيوي (الأمور العامة) وما هو أخروي أي المتصل بالأمر والنهي وأنه هو (خطاب الشرع) والحقيقة هي؛ أن خطاب الشرع تعني الأحكام الشرعية وهي (خطاب الله تعالى، المتعلق بأفعال المكلفين، اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً) فماذا يبقى بعد هذا التعريف ليس في جملة أعمال المكلف مما يمكن تصوره خارجا عن الخطاب الشرعي الذي يترتب عليه حكم مما يمكن أن يمارسه الموظف العام ؟.
ثم إن حياة المسلم يحب أن تكون كلها لله في الأصل، قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) صدق الله العظيم.
وولاية أي شيء من أمور أمة محمد صلى الله عليه وسلم تقتضى الحذر الشديد، والتأكد من القدرة على تحمل الأمانة فيها، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وهذا أمر عظيم يجب الوقوف عنده والتفكر فيه والتدبر في دلالاته ومعانيه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: إنَّكم ستحرصون على الإمارة، وإنها خزي وندامة، إلا مَن أخذها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها، فالواجب على مَن تولى الإمارة على قبيلةٍ، أو في بلدةٍ، أو قريةٍ أن يتحرَّى الحقَّ. فتحري الحق يقتضى معرفة الحق وتميزه عن الشبهات وعن الباطل وهو من باب أولى، "فنعمت المرضعة" لما تدر على صاحبها من متاعٍ زائل، "وبئست الفاطمةُ" لأنَّ مَن اعتادها وأنس بها قد يجور، وقد يظلم لأجل تحصيل المال، فالواجب الحذر، أما إذا اتَّقى الله فصاحبها على خيرٍ، ينفذ الحق، ويمنع الظلم، ويوصل الحقَّ إلى مُستحقه، هذا فيه خيرٌ عظيمٌ، فمَن أدى الحق، وأوصل الحق إلى أهله، فله أجر عظيم، أما من استعان بها على باطل، أو كسب المال، فهو على خطر عظيم، ولهذا قال: "ستكون ندامة يوم القيامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها." ونرى أن من حقها العلم والكفاءة والخبرة وعزة النفس والتعالي عن الطينيات، ومن لا يعرف في نفسه هذه الصفات فلن يأخذها بحقها ولن يؤدي الذي عليه فيها. ولأن الحوادث التي تحدث في الدولة ترفع إليه ولا يتسنى له البت فيها كما لا تتبين له المصلحة إلا إذا كان على قدر من الحكمة والرأي والتدبير، ولذلك فلا يولى إلا من كان عنده القدرة على ذلك، ويدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر رضي الله عنه حينما قال له: (يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها). وفي رواية قال له: (يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرنَّ على اثنين ولا تولين مال يتيم) فإذا كان هذا في الولاية الصغرى وفي الأموال فمن باب أولى في الإمامة العظمى الشاملة للقيام بأعباء الولايات الصغرى والكبرى والأموال وغيرها.
فهل الوزارة ولاية كبرى أم صغرى ؟ والظاهر فيها أنها ولاية كبرى لأنها شؤنها تسير باستقلالية تامة عن بقية الوزارات، ولو أن مؤسسة الرئاسة هي أكبر الولايات، وكلها ترجع إلى وصايتها وهي مسؤولة عنها.
نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
تأملات عاطل