لا استطيع الإنكار أنه بالفعل ساهم يُسر الحال في ولوج أبناء الطبقتين الغنية والمتوسطة لمدارس خصوصية معروفة بجودة طواقمها التعليمية وصرامتها , ناهيك عن سعة بعضهم في الإنفاق على ابنائه لتلقي دروس خصوصية في المنزل من خيرة الأساتذة على المستوى الوطني وهي ٱلية ساعدت الكثيرين من متوسطي الفهم في تجاوز عقبة الباكلوريا , وإذا افترضنا أن عامل الفقر أجهز على طموح البعض وفرمَل مسارهم التعليمي , نجده من جهة أخرى كان محفزا على الصمود وتغيير الواقع والشواهد على ذلك كثيرة فكم من فقير عصامي استطاع رغم مسكنته أن يحصد أعلى درجات المعرفة صابرا الحرً وأيام الشتاء الغارسة ناهيك عن مبيته الطوى عاصب البطن أياما متتالية !!
إن مسألة التعليم ومن ينظر إليه من زواية حجمه في بناء الذات , لن يربطه بتوفر مناخ ووضعية مادية معينة حتى يتسنى له أن يُعلم ابناءه , وهنا يتفاوت وقوف الأسرة عند واجباتها وعند دورها في التربية من أسرة لأخرى داخل المجتمع , لأن الأسرة هي النواة الأولى في تنمية ذات الفرد ويختلف توجيه تربيتها للفرد من مرحلة لأخرى تبعا لمراحل عمر الطفل ومايطرأ عليه من تغلب المزاج والتفكير ومايترتب على ذلك التطور من مراعاة مواكبته في المنهجية وأساليب التربية , لذلك غالبا مايكون التسرب المدرسي مأتاه تخلي الأبوين أو رب الأسرة " أخا مثلا " عن القيام بدروه المنوط به اتجاه الطفل وليس بدافع الثورة على الوضعية المادية المزرية أو استحالة التمدرس على مستوى أسرته المادية فالتعليم حق للجميع وللكدِ سبيلا لتحقيق الإرادة , سبر أغواره والصبر على خرط قتاده , وطرق الحصول على المعرفة والمعلومات ٱلت إلى الإمكانية للجميع أكثر من أي وقت مضى , لذلك نرى أن المتسربين غالبا ماينشغلون بعد مغادرتهم مقاعد الدرس بأولويات المراهقة والانسجام مع - موضتها الظرفية الٱنية - فجيلنا مثلا كان يتخلى عن الدراسة ليتفرغ لمانسميه أنذاك " أتفيي " والسهر حتى الصباح للإ ستمتاع بنوم الصبيحة بعيدا عن تكدير الصفو صباحا وقسرية الذهاب إلى المدرسة , بالمقابل تطور عامل اسباب العزوف عن المدرسة حاليا إلى أولويات واهتمامات أخرى كالظهور بمظهر " لبرود " كما معلوم في فقه le milieu المعاش في هذه الظرفية , كأن تُأجِر سيارة تتماشى مع موضة الذوق - المتاهي - والأخذِ من فقه الجريمة حتى تحوز هيبة واحتراما بين أقرانك فالكل يتقاطع في الحضيض الأخلاقي ولا مكان إلا لمن يأتي الكبائر كشربه للماء الزلال .
إن المتتبع اليوم لمسار التعليم في البلاد سيدرك بحلاء أن القاعدة اتقلبت رأسا على عقب , فبعد أن كان المتصدرون لمسابقة الباكلوريا والأكثر تجاوزا لها أبناء الفقراء , ٱل الأمر لصالح فئات مجتمعية أخرى كانت تُعير بالأمس بانحلال أبنائها أخلاقيا وتفرغهم لتطويع نزواتهم كهدف أوحد وأسمى , جراء تخلي الأسرة عن دورها في التربية , واستفحال نزوة المراهقة في أذهان الطفل بسبب غياب الأسرة كموجه مؤطر , وتلافي ذلك الغياب في أوساط مجتمعية أخرى وإعادة ترميم الخلل الفكري لديها , وهذا لايعني أني لا أقُر بخلوِ الوسط المخملي نهائيا من تلك المسلكيات والظواهر القديمة المتجددة , بقدر ما أقر بنجاحهم في خلطِ المسأليتن معا كنوع من المفارقة " التعليم , البذخ " وهذا دليل على أن هذه الطبقة انتهجت تفكيرا جديدا أو أن من طرأت عليهم سعة الرزق وحازوا علامة - الفئة المخملية " والمتوسطة يختلفون في تفكيرهم وحصافة النظرة عن اكلاسكيي - العلامة - بينما تخلى الفقراء والكادحون عن فلذات اكبادهم تاركين مستقبلهم للمجهول , وضاربين بعرض الحائط كل تجارب أصنائهم التي يحتذى بها في العصامية رغم البون الشاسع في تحديات الأمس واليوم لصالح فقراء اليوم وما أتاحت لهم التكنلوجيا من لفتة كريمة , لم تسعف فقراء الأمس بسبب القصور العلمي والتكنلوجي و لم يمنعهم كل ذلك من بلوغ السماك الأعزلٍ لهمهم وطموحاتهم .