غيب الموت فجر الخميس، الصادق المهدي (85 عاما)، رئيس حزب "الأمة القومي"، زعيم طائفة الأنصار، وآخر رئيس وزراء سوداني منتخب ديمقراطيا؛ إثر تدهور حالته الصحية جراء إصابته بفيروس "كورونا".
والصادق الصديق محمد أحمد المهدي هو حفيد "محمد المهدي"، الذي قاد حركة التحرر ضد المستعمر الإنجليزي، وانتصر فيها هو وأنصاره، واستلم الحكم (1881- 1899).
ولد المهدي في أم درمان، كبرى مدن العاصمة الخرطوم، في كانون الأول/ ديسمبر 1935، ودرس الخلوة في أم درمان والجزيرة أبا، وهي معقل الأنصار، إحدى أكبر الطوائف الدينية في السودان.
ودرس المرحلة الثانوية في كلية فكتوريا بمدينة الإسكندرية المصرية (1948- 1950). والتحق بكلية القديس يوحنا في جامعة أوكسفورد (1954- 1957)، حيث حصل على الماجستير في الاقتصاد.
وفجر الخميس، أعلن حزب "الأمة القومي"، عن وفاة المهدي في دولة الإمارات، التي نُقل إليها مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، عقب إصابته بـ"كورونا".
والمهدي هو سياسي ومفكر وإمام "طائفة الأنصار"، إضافة إلى رئاسته لحزب "الأمة القومي"، أكبر الأحزاب السودانية.
وهو من أبرز السياسيين المثيرين للجدل في الحياة السياسة السودانية، وكان أول ظهور له في العمل السياسي بمعارضته لنظام الرئيس السوداني الفريق إبراهيم عبود (1958- 1964).
وكان آخر موقف سياسي له هو رفضه لما أعلنته الحكومة السودانية، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من قبولها بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
واعتبر المهدي أن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي يناقض المصلحة الوطنية العليا والموقف الشعبي.
وانسحب من المشاركة في مؤتمر لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الخرطوم؛ احتجاجا على خطوات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الذي يواصل احتلال أراض عربية ويرفض قيام دولة فلسطينية.
ومنذ انتخابه في 1964، ظل المهدي رئيسا لحزب "الأمة القومي"، وإماما لطائفة الأنصار منذ انتخابه في 2002.
وانتُخب رئيسا للوزراء بين 25 تموز/ يوليو 1966 وأيار/ مايو 1967.
وعقب انقلاب جعفر نميري في 1969 تعرض المهدي للاعتقال أكثر من مرة، كان أطولها بين 1973 و1974.
وفي 1977 وقع مع نظام نميري مصالحة وطنية، ضمن قوى سياسية سودانية أخرى، لكن سرعان ما عاد المهدي إلى المعارضة، متهما النظام بالخداع، وظل معارضا حتى سقوط نميري في 1985، تحت ضغط انتفاضة شعبية.
وفي العام التالي، جرى انتخاب المهدي رئيسا للوزراء، حتى أطاح به انقلاب عسكري، في 1989، أوصل عمر البشير إلى السلطة.
وتعرض المهدي للاعتقال والسجن في ظل حكم البشير أكثر من مرة، وقضى نحو سنتين في الاعتقال التحفظي حتى 1992.
وخرج المهدي من السودان في 1996، وترأس المعارضة في الخارج ضد البشير.
والتقى مع البشير بجيبوتي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 1999، وعقد حزب "الأمة القومي" اتفاق "نداء الوطن" مع النظام في الخرطوم، برعاية الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي.
وعاد في 2000 إلى السودان، ليقود التفاوض مع النظام، وظل معارضا لنظام البشير الذي عزلته قيادة الجيش، في 11 نيسان/ أبريل 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.
والمهدي من أبرز قادة قوى ائتلاف "إعلان الحرية والتغيير"، الذي قاد الاحتجاجات الشعبية، التي قادت إلى عزل البشير.
وتزوج المهدي مرتين؛ زوجته الأولى هي حفية مأمون، والثانية هي ابنة عمه ساره الفاضل المهدي، وله أبناء منهم عبد الرحمن الصادق، الذي عمل مساعدا للبشير حتى نيسان/ أبريل 2019، ومريم الصادق، وتتولى منصب نائب رئيس حزب "الأمة القومي". وكان الزعيم الراحل حسن الترابي، متزوجا من شقيقته، وصال المهدي.
وترأس المهدي منتدى الوسطية العالمي، وهو عضو في مؤسسات إقليمية ودولية، منها "المجلس الإسلامي الأوروبي" في لندن.
ونال جائزة قوسي للسلام، ومقرها في مانيلا، عاصمة الفلبين.
وله مؤلفات منها: "مسألة جنوب السودان"، و"جهاد من أجل الاستقلال"، و"العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الإسلامي".
وفي آخر مقال كتبه عقب إصابته بالفيروس، قال المهدي، في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري: "أُصبت بداء كورونا منذ 27 تشرين أول/ أكتوبر 2020، فاجعة مؤلمة وضعتني في ثياب أيوب (إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين)".
وأضاف: "صحيح أن بعضنا أحس نحوي في المرض بالشماتة ولكن والله ما غمرني من محبة لا يجارى، وقديماً قيل: ألسنة الخلق أقلام الحق".