
إن المتتبع لحالة مقاطعتنا الحبيبة جكني يرى بأنها نشاز من بين نظيراتها الأخريات ممن حظين بدعم معين من الدولة و لو هزيلا..، فهي المقاطعة المركزية الكبرى المتاخمة لجمهورية مالي الشقيقة على الحدود الشرقية من البلاد، و لكونها أم لسبع بلديات كبريات تضم كل منها تجمعات و قرى سكنية مأهولة و عامرة بالحياة، إلا أن ذلك لم يشفع لها فتلكم الساكنة الكبيرة و الخزان الإنتخابي من يُعوِّلُ عليه النظام و سائسوه من متسولي الأصوات إذ لا يعرفون لها سبيلا إلا وقت الحاجة فقط، و حين تتخطى تلك المرحلة و تنتهي الحملات الدعائية للانتخابات ينطوي كل شيء و ينتهي كل ذلك الصخب و العويل على أديم تلك الأرض و يصبح أهله من صدعوا الساكنة و جعلوا ليلها كنهارها أثرا بعد عين، ليبقى المواطن البائس وحيدًا من جديد يواجه كل المصاعب في حياته اليومية التي يعيش فيها مُكبلًا بغلاء المعيشة حيث إرتفاع الأسعار و غياب الرقابة الجادة من الدولة عليها من أجل حماية المستهلك، ليجد نفسه مُحاصرا من حيث لا يشعر و هو من كان مندفعا في دعم فلان أو علان مستميتا في الدفاع عنه لكي يوصله على ظهره لهدفه المنشود، حينها يكافؤه هذا الأخير بما يستحق- لقاء جهله و عدم إدراكه لمصلحته العليا و غياب الوعي لديه- و هو التجاهل و التغافل و عدم ذكره و لو بكلمة واحدة بأماكن صنع القرار -تلك المهمة- من إنتخبه لها أصلا، و لأن المواطن المتعلم و غير المتعلم في بلدنا على حد السواء من حيث تحمل المسؤوليات و إدراك الأمور على طبيعتها إلا أن المواطن عندنا لا يعتبر و لو سقط نصفه، و لسبب بسيط لأن العقلية المجتمعية من الدَّهْماءِ مُدجنةُُ على حب الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة و التي لا يهمها مصلحة الوطن و لا المواطن، حالها كحال وُسطائها من ينسجون لها خيوط الداعمين الهمجيين ممن يُسَاسُون كالخراف كي يباعوا بأبخس الأثمان مقابل منصب من هنا أو هناك أو الإستفادة من الصفقات التي تقسم كالأعطيات لأنها إستحدثت أصلا على مقاس البعض و حرمان البعض الآخر ممن عَدِمَ الوساطة و الوجاهة التقليدية الصرفة بأماكن صنع القرار، و الضحية هنا -ذاك المواطن البسيط المغلوب على أمره أو المغرر به فهو يُنْصتُ خاضعا مُطأطأ الرأس لمستغليه ظنا منه بأنهم قد ينفعونه في شيء- و نظيره في هذه الحالة ذاك المثقف المسكين من سهر الليالي في الغربة- سواء بالمهجر خارج الوطن أو بعيدا عن الأهل في برزخ آخر لا يقل أهمية عنه- لكي يحصل على ورقة يعتبرها وسيلته الوحيدة في التوظيف لكن أحلامه سرعان ما تتحطم على جدار النسيان و التصامم من طرف القيمين على الشأن العام، و يبقى هذا المواطن متمسكا بالأمل و يتخيل حلماً صعب المنال لكنه راضٍ بذلك لأنه مكون أصلا على اليأس و تربى على التهميش و الحرمان الذي ورثه أبا عن جد، -كما هو الحال عندنا بالمقاطعة من تفتقد لأبسط مقومات الحياة لأنها جدباء من التمثيل و لا أمل يلوح في الأفق-، و الأدهى من ذلك و أمر أن تلكم الصفات سيرثها الجيل الناشئ من مستقبله مازال غامضاً حيث حرم أهله من التعليم لأن مدارسه متهالكة لكونها بنيت منذ زمن بعيد و أصبحت عتيدة لا تقوى على تحمل عاتيات الزمن لأنها لا ترقى لمعايير السلامة حتى، و بلا صحة لأنها مستشفاها المركزي معطلا و بلا معدات و بلا أسرة تسطيع تغطية حاجة المقاطعة المترامية الأطراف و كوادره الطبية غير مأهلة، فطبيبه الرئيس مشغول بالتحصيل و البحث عن الربح عبر شبكاته الخصوصية حيث إفتتح صيدليته الخاصة بالقرب من المستشفى و يشترط في من يكتب له وصفة طبية أن لا يتجاوزها حتى تتم معاينته من جديد بعد إستعمال الدواء كإتفاق مسبق و ضمان للمتابعة مستقبلا، دون أن ننسى حرمان المقاطعة من الإحصاء لأن مركزه بالمدينة معطل من سنتين و نيف فمن أراد أن يستفيد فعليه أن يشد الرحال بعيدا إلى مركز مجاور كلعوينات مثلا و من لا يقدر على توفير تكاليف فلينتظر فرجا من الله..، ناهيك عن تردي الأوضاع المعيشية للسكان و ضعف القدرة الشرائية لديهم نظرا لقلة ذات اليد و إنعدام السيولة بالسوق المحلية للمقاطعة بالرغم من أنها نقطة مركزية لإلتقاء التجار من محيطها المجاور بالإضافة لتجار أجانب من مالي و غيرها، مما يجعلها وجهة تجارية كبيرة يقصدها الكثير من هؤلاء بحثا عن فرص الربح و التنافس في نوعية البضاعة و جودة المنتج و كذا الأسعار التنافسية..
و مما نستغربه كمتابعين للشأن العام ما يأخذه علينا البعض بشأن الحديث عن معاناة أهلنا و تعبيرنا بصدق عن واقع مقاطعتنا المزري المسكوت عنه، فيعزيه البعض من هؤلاء على أنه تهجم عليهم و تجني في حقهم أو تقليل من شأنهم و تحميلهم لمسؤولية لم يؤدوا حقها يوما، في حين يذهب آخرون إلى أنه مجرد حديثُُ مُعاد يُحسبُ أهله دائما على المعارضة و في هذه نعم لأننا فعلا معارضة لكننا من صنف آخر لا تغريه المادة و لا الوظيفة لكي يتخلى عن مبادئه أو يتقاعس عن أداء واجباته تجاه أهله و وطنه حين تخلى عنهم من إنتدبوه في غفلة و عن حسن نية لذلك، فأصبح وبالاً عليهم لا يحرك ساكنا و لا يعنوه في شيء سواء ماتوا أو حَيُوا لا يهمه أمرهم لأنه ضمن بهم مقعده و الغاية منهم إنتهت إلى أن يحين الوقت، فيعيد الكرة لكن بوجه جديد و بوعود منمقة في حلة إدراماتيكية و لا محالة من أنها ستنطلي على هؤلاء طبعاً لكونهم مازالوا هم بذاتهم حيث البداوة و السذاجة و قِصَرِ الرؤية و إنعدام المُؤطرين التثقيفيين حول دور المسؤول لأن هؤلاء أيضا دُجِّنُوا و تمت برمجتهم حسب المسلسل السياسي دَقِيقَ الإخراج مُنْتَقَى الأبطال المخضرمين في التمثيل و الدبلجة إلى ما هنالك من الأدوار السينماتوغرافية المُوَّزعة بعناية..
و يبقى السؤال مطروحاً ألم يأن للقيمين على الشأن العام أن يعيدوا النظر في كيفية التعامل و التعاطي مع مطالبنا المشروعة بنوع التفاعل و الجدية و الالتزام، و ليكن في علمهم أننا مللنا وعودا زائفة و لم نعد نحتمل التسويف و لا التلكؤ.
#جكني_تستغيث