الشيخ سيدي أحمد ولد حيده يكتب ؟ الوطن بين وهم الاستقرار وأمل التغيير

سبت, 06/19/2021 - 19:29

لا شك أن المدخل الأساسي لتحليل العملية السياسية في بلادنا يتطلب تسليط الضوء على بدايات قيام الدولة و النظام الجمهوري و إدخال العملية الإنتخابية؛ و انعكاس كل ذلك على الحالة الإجتماعية ومدى التأثير المتبادل بين النظامين القبلي و الجمهوري؛ و على أي أرضية شيدت الدولة؟!

سعى نظام التأسيس لتجاوز النظام الطبقي بموروثه الثقافي السلبي مقابل قيم العدالة الاجتماعية و المساواة والاخاء؛ لكنه لم ينجح بشكل جذري في بناء مجتمع حديث مكتمل الأركان؛ حيث واجهته وهو يدرج في خطواته الأولى عقبات كأداء منها : جبهات الاعتراف بوجوده ؛ ومعارك إثبات الذات التي استنزفت طاقاته ... مما جعل المنظومة التقليدية بانتهازيتها الموغلة جاهزة لسد فراغ السلطة التي أزيحت بتضافر إرادة قوى خارجية وأخرى داخلية تناغمت مع مآرب أصحاب الأقدام الخشنة؛ فكان ذلك أبرز عامل لتمكين النظام التقليدي الإنتهازي فتربع على كرسي السلطة باسم الدولة ثم باسم الديمقراطية !

ورغم ذلك فقد حققت نضالات قوى الحداثة والتقدم والديمقراطية؛ إسهامات كبيرة في الحفاظ على فكرة الدولة وقيمها في الأدبيات السياسية والخطب الحكومية؛ و رسخت المطالبة بالنهج الديمقراطي وبتجذيره وتحسينه؛ فجاهرت تلك القوى بالدعوة الملحاح إلى التناوب وإقرار مبدإ المساءلة الشاملة عن التسيير بما فيه مساءلة رئيس الدولة والوزراء والحاشية عن التسيير الكارثي الذي أحل البلد دار البوار؛ فأنتشرت الحرابة والجريمة نتيجة فشل كل المقاربات التنموية السابقة.

إن التحديات الجمة التي تواجه الحكومات في مواجهة مطالب التنمية والاستقرار ستبقى مستعصية على الحل مادامت عاجزة عن قطع الصلة مع سياسة تدوير المقاربات الفاشلة الماضية و الحزم ضد ترسيخ الزبونية و تجريم تجذير الفوارق بين المواطنين و أهل الحظوة من المجتمع الأهلي؛ والذي كثيرا ما تلجأ له السلطات كشراء للذمم واستثمار في الولاءات السياسية لصالح النظام على أسس المحسوبية في مقابل هيمنتهم على الإمتيازات المادية؛ وتوجيه موارد الدولة والمنح والهبات الخارجية إلى مشاريع غير قابلة للنجاح خدمة لأجندات المحاباة والمحسوبية.

إن السلطة مطالبة اليوم قبل أي وقت مضى على جعل أولى أولوياتها العمل بجد واخلاص من أجل
نشر وعي اجتماعي وطني يفند كذبة الخصوصية الإجتماعية و يحارب الموروث السلبي بغية تحقيق مراجعات اجتماعية قادرة على بناء تنظيم اجتماعي ذاتي حديث ومعاصر يقوم على روابط الهوية الوطنية القوية بقيم ديننا الحنيف وبمناط العدل والمساواة التي يدعو لهما الإسلام لتمكين قيم الدولة و المواطنة وحقوق الإنسان و تتكئ على جملة من المشتركات وتتوق لسيرورة ومصير يفرض على الجميع الذود والدفاع عن أهمية الوحدة والتماسك.

وحدة وطنية تقوم على رؤية اجتماعية وسياسية تضمن ميلاد وطن يخدم الكل ويرى الجميع فيه ذاته بدون تمييز على اساس انتماءات مناطقية ولا إثنية و لا اختلافات مذهبية؛ تضمن تطوير البلد ومنظوماته على أساس روح الدستور كعقد اجتماعي مصان برأس مال اجتماعي تذود عنه كل فسيفسائه؛ ويجعل من السلطة المنتخبة المثال الذي يعزز المسار ويقومه عبر مؤسسات وطنية تضمن فصل السلط وتحقق التنمية والديمقراطية.

مؤسسات وطنية تدرك أن التغيير حتمي؛ كما أنه نتاج طبيعي لحراك اجتماعي وسياسي واقتصادي- قابل للاستغلال والتوجيه- تلعب فيه إرادة السلطة؛ الدور الأهم من أجل جمع عموم الشعب عليه؛ وتسخر الإرادة والإدارة لذلك مع مايتطلبه من سنة التشاور و القدرة على العزم من أجل تلافي التغيير عبر العنف؛ أو التآكل داخل المنظومة الحاكمة نفسها رغبة في تجسيد التنازع القبلي والجهوي والمصالح الضيقة؛ الذي يظهر بين الفينة و الأخرى عند أي تنازع مع القانون والصالح العام.

إن الوطن يخسر تدريجيا مبررات وجوده والسلطة تفقد شرعيتها بالخضوع للابتزاز من مجتمع تقليدي ظلت تمكنه على حساب دعاة المواطنة والمساواة من قوى سياسية وفكرية ونخب وطنية قادرة على أن تلعب دورا رئيسيا في توجيه التغيير خدمة للتناوب السلمي على السلطة وقيادة المجتمع.

معركة تتطلب من السلطة الخروج من عباءة الارتهان للمجتمع التقليدي وفرض سلطة القانون والحق؛ وانتهاج سياسات تنموية مستقلة عن الاجندات السياسية؛ تضمن ولوج الجميع للخدمات والمناصب والصفقات؛ مدعومة بانفتاح سياسي حقيقي يوحد الصف ويخرج برسالة واضحة بأن التغيير المنشود من أجل نظام وطني ديمقراطي يحمل رؤية اجتماعية عادلة تقطع الصلة بالماضي الطبقي والحاضر الفاسد وتشرئب الأعناق فيه نحو مستقبل واعد أفضل؛ وبأن الوطن لن يضيع بين ثنائية المستفيدين من ريع السلطة وتدليسهم لمسار الفشل بعلاقات ابيولوجية أهون من بيت العنكبوت وبين المتربصين بالوطن خدمة لأجندات ضيقة.

الشيخ سيدي احمد حيده