اتركوا الناس تشرب الخمر ؟ أبي ولد محفوظ

أحد, 06/20/2021 - 14:49

ما من مغالطة أعظم ولا أشد ضررا على سياسات وطننا من دثار الإسلام المغشوش، ولا كذبة أعظم من تطبيق الشريعة ورعاية الدين تحت لواء الظلم المنظم، ثم هل نحن دولة عصرية أم إمارة داعشية ؟
جيش من حفظة كتاب الله وآخر من العلماء وثالث يجمع بين الفقه وحفظ كتاب الله وحفظ المتون وأمهات الفقه وعلوم الآلة، لكن كل شيء مما سبق منزوع الدسم والمعادن، وخال من النشويات، وقد نقصت فيه مؤخرا نسبة المطعمات، فماذا بقي؟
لا يجد المتأمل في حالنا تفسيرا ولا تبريرا لما نحن عليه من سوء الأحوال وكثرة المال، إلا إذا كان ذلك عقابا. إذ كيف بشعب يملك كل هذه الثروات مع قلة عدده؛ أن يكون حاله كحالنا، وديونه كديوننا؛ تجاوزت دخله القومي ومع ذلك تحسب فيه شربة ماء وعمود إنارة إنجازا تحدث عنه اللُّحى، وتجتمع لتدشينه النياشين، ويصلح دعاية وخطابا لمهرجانات، وقد يصلح لحملة انتخابية، كل ذلك ونحن نعيش في عالم وقرن تنجز فيه الأبحاث العلمية لإمكانية العيش على سطح القمر، غير ممكن التصور إلا إذا كان ذلك عقابا من الله سبحانه وتعالى على الظلم المنتشر وعدم إقامة العدل، فلا حق مدنيا إلا بوساطة على حساب آخرين، ولا حقا مما يقع بين اثنين يعود لصاحبه لانتشار الفوقية على العدالة في شتى مناحي الحياة، لا مديرا ولا رئيسا ولا قائدا ولا إبن شيخ تقليدي ولا كنتم لقبيلة (...) ولا لا لا تمكن مساءلة أمام القضاء في مواجهة مواطن عادي لا يملك إحدى هذه التي سبقت. هو تواطؤ إذن من كل من يجب عليه البيان والحكم الملزم والتنفيذ، فكيف نرجو التقدم ومباركة الله لجهود من هذه حاله ؟
إن إقامة العدل وأداء الحقوق لأهلها من أسباب بقاء الدول وتفوقها وغلبتها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رسالة (الحسبة): الجزاء في الدنيا متفق عليه لأهل الأرض، وإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: “ إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة " وإذا كنتم مصممون على استحمار الناس وتبرير المظالم وخداع الحكام فاتركوا الدهماء وشرب الخمر وممارسة الفواحش، فلا خيرا يرجى من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض، وقد أثبتت ملاحظة أحوال الدول أن التقدم في الأمن الغذائي والصحي والعلمي والعسكري وغير ذلك من حظ تلك الشعوب التى أرست عدالة اجتماعية بين عباد الله في أرض الله، رغم ما فيها من المناكر وكل ذلك حرام علينا ونحن نتظاهر بإقامة الشعائر الدينية ونبرر الظلم والقهر والنهب والمحسوبية، ونقيم ثنائية قائمة على منطق أن من بيننا شعب الله المختار الذي له كل شيء ومحق في كل شيء، ويبرر له كل شيء، ومن تكلم عنه حسود حقود، وشعب خلق ليبرر للأول؛ يشرع له، ويخدمه دون أن يكون ندا في الحقوق ولا في الواجبات، وكل ذلك مبرر بفقه مقاصدي أوجده متمالؤن ومغلوب على أمرهم، في زمن ليس هو زمننا، وفي ظروف ليست هي ظروفنا فما مبرر بقائها ؟
خمر التدين المغشوش وخمر العقل أيهما أفضل ؟
إذا كان لا بد من خمر تغطى به العقول وتغالط به الأفهام فدعوا الناس للخمر المشروب لعله ينسيها بعض واقعها الأليم، واتركوها لتلبيه بعض النزوات الغريزية، فرب الناس أرحم بالناس منكم، وربما خامر العقل بالخمر خير من خامره بالتدين المغسوش، فذاك يعرف أنه ظالم لنفسة بمعصية أمر ربه ويطلب العفو، وهذا يحسب أنه من جنس الملائكة بتدينه المغشوش، لا يشرب الخمر ويشرب عسلا مسروقا من أقوات الأرامل والثكالى والأيتام والعجزة، وينفق طاقته في الجنس بالولاء، ويحج علي حساب خزينة الدولة رغم وجود من لايجد دواء ولا غذاء ولا خمارا يستر به عورته المغلظة، ويتحمل وزر ذلك كله عالم يوجه لانتخاب سارق ويماشي الظالم ويبرر بفقه مقاصدي هيمنة سارقي أقوات الشعوب بضرورة الأمن وحفظ النظام، ويغفل لحظوة وميزة له هو ولولده وحاشية زوجته نصوصا صحيحة ثابتة الورود قطعية الدلالة في السياسة الشرعية، دالة دلالة لا قادحا فيها، ولا عيبا في مسالك علتها، تنزيلا وتعليلا، ويستعيض عنها بغيرها قد يصح ورودا لكنه لا ينسجم وواقع الشعوب اليوم حين التنزيل وحين التعليل.
فإذا كان لابد من خمر العقول فدعوه يكون مشروبا روحيا ينسى بعض ألم القهر والظلم ولو لساعة، فما تحريم خمر العقل إلا خشية ارتكاب محرمات كالسرقة والزنى والقتل، وها هي ترتكب كلها تحت غطاء فقهكم المقاصدي المبرر لتدمير الشعوب بالظلم والقهر والنهب والتعبيد المنظم، خدمة لقلة حاكمة لا تجود إلا بفتات لمبرري آثامها وتستخدمكم كما تستخدم أعواد الثقاب ومناديل الاستطابة أكرم الله القارئ والسامع.

تأملات عاطل