طالعنا الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في مقابلته الأخيرة مع فرانس24، زاعما أنه دفع الرئيس المالي السابق بوبكر كيتا إلى التفاوض مع قيادات تنظيم القاعدة في شمال مالي، ذاكرا اثنين من أبرز تلك القيادات وهما: إياد أغ غالي، وحمادو كوفا.
وأبعد من ذلك مضى الرئيس السابق إلى القول إنه هو نفسه فاوض هذه الجماعات عبر اتصالات معهم، بواسطة من وصفهم بالسياسيين، ويصفهم العارفون بخبايا المنطقة بأباطرة المهربين في الساحل والصحراء.
فهل يا ترى كان ولد عبد العزيز الذي فاوض التنظيمات الإرهابية في شمال مالي، ودفع رئيس مالي للتفاوض معها، هو نفسه ولد عبد العزيز الذي قال يوم الرابع من مارس 2013، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس النيجيري السابق محمد إيسوفو في نواكشوط ما نصه: ".. في موريتانيا كنا دائما مع التدخل، فقد تدخلنا حتى قبل أن تكون المشكلة مطروحة، كما أننا ضد التفاوض مع الإرهابيين، لأن الإرهاب بالنسبة لنا داء لا يعرف الحدود ولا يمكن التفاوض مع أهله لأنهم متطرفون يجهلون القانون والأخلاق وكل ما من شأنه أن يتيح للأفراد التعايش مع بعض والحياة الكريمة، ولم يطرح أبدا في موريتانيا موضوع التفاوض مع هؤلاء".
وهل هو نفسه ولد عبد العزيز صاحب التصريح الذي نقلته عنه وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) بتاريخ 14 مارس 2012، الذي قال فيه: " اؤكد لكم اننا لم نتفاوض مع الارهابيين وأننا لن نقبل ابدا التفاوض مع العصابات الاجرامية، انها مسألة مبدأ سنكون معها متصلبين".
وهل هو ذاته ولد عبد العزيز الذي قال في نهاية رحلته الاستشفائية بباريس بعد رصاصة أكتوبر 2012 الغامضة، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي حينها فراسوا هولاند، " لا تفاوض مع الارهابيين في الشمال المالي".
وهل هو ولد عبد العزيز الذي قال في خطابه بنواذيبو خلال زيارته للمدينة في مارس 2012، "إننا لم ولن تتفاوض مع المجموعات الإرهابية مهما كانت، ولم ندخل حربا بالوكالة عن أي دولة".
وهل هو نفسه ولد عبد العزيز الذي قال في مقابلة مع موفد صحيفة "لموند" الفرنسية "كريستوف شاتلو" التي نشرت يوم 9 دجمبر 2016: "إننا نحارب الإرهابيين. ولم نتفاوض معهم قط.."
فهل نصدق ولد عبد العزيز حين صرح أكثر من مرة برفضه التفاوض مع الإرهابيين، أم نصدقه حين قال إنه فاوضهم عبر "سياسيين" ودفع بغيره من رؤساء المنطقة للتفاوض معهم؟
ضف إلى ذلك أن الرئيس السابق في مقابلته الأخيرة مع فرانس24، فرق بين من سماهم "إرهابيون وطنيون محليون" قاصدا بذلك إياد أغ غالي وحمادو كوفا، زعيمي جماعة أنصار الدين وكتائب ماسينا، وبين من سماهم "إرهابيون جاءوا من الخارج" في إشارة إلى قيادات أخرى من تنظيم القاعدة في شمال مالي، فهل غفل الرئيس السابق أو تغافل عن حقيقة تقدح في تصنيفه الآنف الذكر، وهي أنه منذ بداية عام 2017، أعلن إياد أغ غالي وحمادو كوفا إنهاء مرحلة المحلية في حربهما بشمال مالي، وانخراطهما في "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" ومبايعتهما لأمير تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي حينها عبد الملك دوركدال، وأمير القاعدة الأم في أفغانستان أيمن الظواهري، حيث بايعاهما على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وباتا يأتمران بأمرهما، كزعيمين لتنظيم إقليمي آخر عالمي، بعيدا عن المحلية والوطنية.
أخيرا بقي أن نشير إلى أن الرئيس السابق سكت في مقابلته عن كثير وكثير مما يمكن قوله وأمكن فعله في شمال مالي، من تفاوض أو تشارك أو.. والله تعالى أعلم.
محمد محمود عبد الله