الدكتور محمد محمود ولد عبد الله يكتب؟ أدب الواد.

أحد, 07/04/2021 - 12:42

يمتد واد جكراكه من الحدود الشمالية الشرقية لمقاطعة جيكني الى الحدود الجنوبية لمقاطعة كوبني .. و يعتبر هذا الحيز الجغرافي من مناطق الحوظ التي كانت مسرحا للكثير من الاحداث التاريخية و كانت مرتعا و مقاما لا غنى عنه لأهل تلك الأرض. فكانت لدفئها و وفرة غطائها النباتي محجا للفركان و لحلل في فصل الشتاء كما انها ممرا الزاميا جذابا في فترة العارظ و الطاييح الرشك ..

من المتعارف عليه في منطقة الحوظ ان السلطان عندما تطلق فإن المقصود بها هو خطري ولد أعمر ولد أعل، كما ان الشيخ يقصد بها شيخ الحوظ أعل ولد محمد محمود، و الفقيه هو محمد يحي الولاتي، و لكصر تعني ولاته، و الظايه بالتعريف عندما تطلق فان المقصود بها هي محموده. كذالك فان الواد عندما تطلق هكذا دون تعريف - خصوصا في حيزه الجغرافي- فإن المقصود بها هو واد جكراكه لشهرته و منزلته الأدبية..

كانت منطقة الواد مسرحا للكثير من الأحداث التاريخية المهمة، لأنها كانت مركز ثقل و تحرك إمارة اولاد امبارك .. لذالك فإنها شهدت معارك و أيام خالدة.. منها يوم كبير، من حروب اولاد امبارك الداخلية. و يوم فوق، لاولاد الناصر على مشظوف سنة 1300ه.. ويوم تيمزين، لاولاد امبارك على السودان برآسة أحمد الفوتي و الحاج عمر سنة 1274ه.. و يوم اجويرح بين أهل بهدل و أهل عيشه من اولاد امبارك. و يحكى أن سببه أن عزي منت اهناتي من اولاد عيشه، توفيت و دفنت عند اجويرح فسأل خطري ولد اعمر ولد اعلي أمير اهل بهدل هل دفن معها من يؤنسها؟ فقيل له لا. فرحل إلى اجويرح فرأى أولاد عيشه ان في نزوله بارضهم إهانة لهم.. فنفروا إليه و اقتتلوا فلما مات رجال تقلب خطري بجيشه و قال يكفيني أن يدفن مع عزي من يؤنسها.

تميزت منطقة الواد بوفرة الأسود فنتيجة لكثافة الغطاء النباتي و الغابات الكثيفة، ظلت أسود الواد عصية على الصيادين و المغامرين .. فأستمر أسد الواد في الزئير إلى عهود قريبة جدا.. تماما كما أشار الى ذالك أحمد ولد دندني في رائعته التي قطع فيها مناطق الحوظ طولا وعرضا بحثا عن محبوبته الهمال:

مِنْ بُو لَكْلَالْ أَبْقَيْتْ اَنْسَرْ # و اَكْعَمْتْ الْوَأْدْ بْكَادَلْ فَرْ
و اَمْعَيْلِيمَه و أَنْبَاك فْزَرْ # الْحَاجِبْ لَحْرَشْ لَمْبَخْنَسْ
و اَكْطَعْتْ اَثْلَتْ شَوْطَاتْ أَنْمَر # و آَمْنَيْنْ اَتْكَصُّ عَنِّي حَسْ
أَسْبَعْ وَارَة مَسْكِينْ اَزْهَرْ # عَنْدْ اَنْبَيَاتُ يَتْلَحْمَسْ
فَزَّزْتُ مَزَالْ اِهَرْهَرْ # و اَسْكَيْتْ لْجَمَلِ و أَتْنَفَّسْ
و إلَّا كِيفَلِّي بَتْ اَنْكَرْ # وَيَّ ذِي الرّيْم و نَتْأَنَّسْ
غَيْرَ أَلَّا مَارَيْت الْهَمَّالْ # فَذَا الْخَلْقُ الْمَنّ نَلْمَسْ
نَاصَرْ و أَمْشَاظِيفْ و لَقْلَاَلْ # و اِدَابَدْهَسْ و الْمَايَمْتَسْ

ارتبطت منطقة الواد بروائع الطلع و آكواليل و تميزت بطابع ادبي متميز يحمل من السلاسة و العذوبة كما هائلا تتراقص فيه تيفلواتن لمغنيين.. تلهم هذه المنطقة لمغنيين بجمال طبيعتها و وفرة معالمها و ارتواء اهلها بالثقافة الحسانية العالمة.. فلا تكاد تقارن بمناطق الحوظ الأخرى في وفرة لمغنيين و عذوبة ادبهم و جزالته.. و كأن في هوائها سحرا ينفث الهوى و الشجن في قلوب لمغنيين..

يقول شيخ ولد المان

قَلَّاتْ اليوم الرَّافِدَة خِيمِي عَن نَرْكَب سَارِي
عَنْفَتْ لُوَّيْدْ النَّافْدَه طَلْحَايَتْ لَبْنَيْبَارِي

ان منزلة الواد في أدب الحوظ كمنزلة نجد في الشعر العربي فمنها خرج مشاهير الشعراء : عنترة بن شداد، قيس بن الملوح (مجنون ليلى) و كثير عزة و جميل بثينة ..

و بنجد كذالك وادي عبقر الذي تسكنه شعراء الجن.. و تقول الرواية ان كل شاعر من شعراء الجاهلية كان له قرين من هذا الوادي يلقنه الشعر .. فربما يكون واد جكراكه كذالك هو النسخة الخاصة بأرض البيظان من وادي عبقر. يسكنه امغنيين و أدباء الجن و ينفثون ادبا عذبا على لسان: شيخه ولد المان، و امباده ولد الشيخ و محمد المختار ولد اعل و احمالله ولد الكيمي وسيد محمد ولد لكويري و مختاري ولد سيد عالي و السالك ولد أحمد الحاج و الشيخ محمد الأمين ولد سيد امحمد... وغيرهم كثير

فَاتْ الْوَاد أُمَشْتَاه فاتْ و أَمَلِي فَاتْ اَمْصِيفُ
حَرِي يَكُون الْوَاد فَاتْ و أَحْنَ مَا فِتْنَا كَيْفُ

يوْجَعْنِي كَان الرّيْم عَادْ مَنْزَلْ ظَهْرْ اَبْلَمْحَاظَرْ
و اَتِّيشِلِيتْ وَعَتْ زاد يَحَرِّي مَان حَاظَرْ

يتجاوز الطابع الأدبي لأدباء الواد منطقتهم فيمتد في كل الاتجاهات المحاذية له.. و كأنما يفيض الواد بيها فلم يعد حيزه الجغرافي الضيق يسع هذا الكم الهائل من الأدب و الأحاسيس الجميلة.. فنتلمسه شمالا عند طَرْحَتْ تَاوَشِّيتْ الْبَيْظَه فِي التَّيَارَتْ عَنْ تَاوَشِّيتْ. و شرقا إلى الشمال شُوْرْ الْبَدْعْ و بُو اطْوَيْبَه و الشَّمْسِيَّة و آبْنَيْبَه تَلْ اَنْكَنَتَانْ.. وجنوبا من..بَنَيْرْ الَ زَادْ الْحَاجَبْ لَخْظَرْ بُو دَمْبُ ، لَفْرِيكْ إلَيَّ فِيهْ أَهْلْ اِسْوَادْ يَشْرَبْ مِنْ تَلْ اَتْرَنْكَمْبُ . .

بَاتْ الدَّلَّالُ إلَّا اِنِينْ أِرَدْ الدَّمْعْ ا قَالْبُ
بِيهْ اَبْرُوكْ أَعْلَ اَمْزْنِينْ و أَعْلَ صَائْرَه يَتْعَاكْبُ

جِين يَا أَغْلَ شَعَّارْ الشَّدْ مُورَاكْ لْغَازَه و أَرْكَنْهَ
و اَمْشَيْنَ عَنْهَا هِي حَدْ اَبْقَلْبُ مَا يَمْش عَنْهَا

يقول احمالله ولد الكيمي:

لَحْكَكْ يَعَكْلِي تَنْتْفَظْ مَنْ ذَا الْخَلْق الْمَتْخَالَفْ
الْوَأْدْ اَمْفَسْكِي وانْتْفَظْ وَأَهْل سَمْكُو لَخْوَالَفْ

لَمَاتْ اَلْعَكْلْ أَلْيَن بَاتْ لَيَالِي يَلْعَب دَارَه
فِي الطَّلْحَيَاتْ الرَّاكْبَاتْ مِن تَامُورَتْ عَبْدَارَه

ويقول السالك ول الحاج أحمد دَيْده:

نَعْرَفْ بعد إليلِ غدْرِتْ# ذاكْ الدهر امنينْ انجَبْرِتْ
گعدِتْ تَحتْ اجْدِرْ ذِ صَدْرِت# تَيْشِطْ وِسْطْ اُودَيْ اُوحَدْهَ

والدِّنيَ گاعْ اِيلَ غدْرِت # وانحاشِت واگْصِفْ مَترَدْهَ

اِتَمْ الاَّ هاذَ لُودَيْ # مزالْ افْ بَلُّ نَشْهَدْهَ

وهيَّ ذاكْ ابلدهَ ، والتَّيْـ # ـشطَايَ مَزَالتْ فابْلَدْهَ

و يقول سيد محمد ولد لكويري

عَاكَبْ ذَا أَلْفَاتْ مِن الذْهَابْ فِينَ وَاطْرُوحْ الْمَارَة
سَيَّرْ يَجَمْلِي لَا اَتْهَابْ هَاذَ كَطَعْ التَّمَارَه
نَافِدٌ تَدْنَيْتْ اوْذَاكْ صَابْ فَاتْوَيْمِيرَتْ عَبْدَارَه

من روائع مساجلات منطقة الواد اكطاع البكاي ولد ابريك و عبد السلام ولد ابيه.. حيث يقول البكاي:

وَلْ أَبِيهْ أَصْل كُنْت اَنْجِيهْ # مِنْ شَرْكْ اَبْعِيدْ بهمي فِيه
هَمْ إِنْجِيلُ فِيه اِوَاسِيهْ # وْلَاهُ كَاعْ أَعَلَيْه اَمْحَمِّي
وَلْ أَبِيه اَفْبَلِّ نَبْقِيهْ # بَلْ اَخْزِينِ و أَبْلَد لَمِّي
رافِد هَمِّي مَتْكُولْ اعليه # مارْت عَنُّ رافِد هَمِّي
مِنْ يَوْمِ لَعَاد أَدْخَل صُوكْ # بَيْلَهَنْدَه يَسْعَد أُمِّي
مَاه وَأَحَلْ يَكُون الْفَوْكْ # فْهَمِّي و التَّحْت اَفْهَمِّي

وَلَدِ أَبِيهِ :
هَمَّك قَطْعًا لَجَيْتْ اِلَاهْ # يعدلك و أَفْطَن لَجَاهْ
مرسولك يَمْش بيه امعاه # و لَا يَغْرِف مَاهُ مِن جَمِّي
حَتّ فَتَبَارَك الله # مَان مَتْعَيَّنْ و اَمْسَمِّي
يَغَيْرْ الْهَمْ إلَى خَلَّاهْ # مُوْلَاهْ و تَرْكُ مَا تَمِّ
أِجِيلُ لَاه يعكب يَنْسَاه # واعود أَنَس هَمِّي و أَمِّي
و أَصْلَان زَاد اَمْلَمَّكْ حَكّ # بَل اخزينك و أَبْلَد لَمِّي
تَارِكُه يالبكاي اَمْسَبَّكْ # هَمَّك زَاد أُعِلّ هَمِّي

هذا غيض من فيض يعطي صورة مصغرة للحياة الثقافية و الأدبية لمنطقة الواد، و يفتح الباب على مصراعيه أمام الباحثين و أهل الإختصاص ليقدموا الأفضل...

محمد محمود ولد عبد الله