منافعها ما ضر في نفع غيرها ** تغذى وتروى أن تجوع وأن تظما
المعلم أبو الطيب المتنبي
**
طفحت قلوب الموريتانيين حزنا ثقيلا، خيم على سماء عاصمتهم مساء أول جمعة من الشهر السابع للعام الأول لثالث عقود القرن الحادي والعشرين، بعد الإعلان عن صعود الروح الطاهرة للفنانة المبدعة والمثقفة الملتزمة والأديبة الراقية والإنسانة النبيلة؛ برجيت داداه ( 1943/ 2021)، التي عرفتها منابر العالم على مدى نصف قرن كسفيرة لثقافة موريتانيا وتراثها.
من لون رمال الصحراء وإشعاع شمسها وبساطة أهلها تملكها الإلهام، لتلج خريجة الفنون الجميلة Rue de Seine في باريس، عالم الإبداع من فناء المنسوجات والسجاد في العالم الإسلامي كبساط تستخدمه المجتمعات البدوية رمزا دينيا يتكفل بالاعتلاء بجسد المؤمن إلى عالم الطهارة خلال تأدية الشعائر الدينية، وكتراث استلت مفرداته من عبائة الفكر الفلسفي للأمم الملتزمة بعقيدة التوحيد، عبر متعة الإيمان وروعة الحكمة و حضن القدر، كمحددات بانورامية للعلاقة بين الجمال والمقدس، وشهادة حية على الذائقة الفنية للثقافات الإسلامية.
ينتظم عرض إبداعات فنانة الصحراء في الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط وإفريقيا وآمريكا اللاتينية و أوروبا، بحضور لافت لخلفية لذيذ نغم التيدينيت وآردين في مرافقة مسرحية لملاحم الشعر الحساني.
تطوعت أم شيخُنا، في سبعينيات القرن الماضي لتعليم النساء عن طريق الهلال الأحمر في العاصمة نواكشوط، لتنال لاحقا، إجازة الأدب متفوقة على دفعتها في ثمانينيات القرن العشرين من جامعة نواكشوط.
تتميز أعمال بيرجيت داداه الفنية بقوة تناغم ألوان القطع المستوحاة من جمال مكة وقبة القدس، سجاد الصلاة ومناسك الحج وسكينة التصوف، القصور والمدن الإسلامية، ومساجد آسيا والقارة السمراء؛
امتنعت أم شيخُنا، عن استغلال مكانتها وحضورها في دوائر النفوذ العالمي، ضد صورة موريتانيا والأنظمة المتعاقبة على حكمها، رغم معاناة الرئيس أحمد ولد داداه طيلة مساره السياسي، وكانت ملتزمة بتجسيد حبها لموريتانيا وأهلها بنفض الغبار عن مواطن إغراء تراثها الذي أوصلها عشقه إلى الإلتحاق بأعالي الفردوس، مؤمنة صادقة، منفقة، محبة للخير وأهله.
رحم الله أم شيخُنا وأسكنها فسيح جناته. إنا لله وإنا إليه راجعون.