قال تعالى: (و لا تَزِرُ وَازِرَةُُ وِزْرَ أُخْرَى..).
إن إستجابة موريتانيا لإستغاثة الشقيقة تونس مؤخرا بخصوص أزمة جائحة كورونا و ما نتج عنها من غلاء في الأسعار و إنعدام لبعض المسائل الضرورية مما إستدعى من الدولة التونسية إطلاق نداء إستغاثة؛ هنا جاء الرد سريعا من موريتانيا حيث أرسلت طائرة خاصة محملة ببعض المؤن الصحية و الغذائية مصحوبة بطاقم طبي متمرس كل ذلك تلبية لنداء الأخت الشقيقة سبيلا في دعمها في الضائقة التي ألمت بها على حين غرة، -فلم تتقاعس أو تنتظر بل سارعت في حينها دون أن تلوي العين على أي كان- و على ما يبدو أثار ذلك جدلا واسعا تخللته تعليقات و إنتقادات من هنا و هناك عجت بها بعض وسائط التواصل الإجتماعي، فمنها من تَنَدَرَ أهله و منها من شكر و أثنى كما فعلت الجهات الرسمية للدولة ممثلة في رئاسة الجمهورية التونسية حيث أصدرت بيانا حافلا بالشكر و الثناء، حالها كحال السيدة أدناه من تقيم بموريتانيا و تعرفها حق المعرفة و قد تحدثت بإسهاب و هي خير دليل على ما أقول، أما البعض الآخر فهو مجرد أصواتٍ نشازٍ و نَعِيقٍ في فَلاَةٍ بل و غَيُُّ في غَيٍّ و لا يمثل إلا أصحابه من يشبهون في بعض تصرفاتهم الكلب الأصم حين يرى تثاوؤ الكِلابِ يتبادر لديه النباح ظنا منه بأنهم نبحوا..
أما نحن في موريتانيا بلاد شنقيط أرض المنارة و الرباط مهد الأماجد من يعرب فلا نزايد على أنفسنا و رصيدنا بين أشقائنا العرب عامة و المغاربة منهم خاصة معروفُُ، ألا و هو الشهامة و الكرامة و الشموخ و الكبرياء فلا أطماع لدينا في أعطية من أحد و علاقتنا بالأشقاء يسودها الوِدُّ و الإحترام و عزة النفس و حب الخير للجميع و لا نعرف للتسويف و لا التلكؤ سبيلا حالما تكون هنالك حاجة ماسة في مساعدة أي من هؤلاء الإخوة الأشقاء، ليس ذلك تزلفا و لا نفاقا بل صونا للعرض و عونا للملهوف وقت الضيق و تقاسم الحلو و المر و الإحساس بالمعاناة و تحمل المسؤولية حيث لا شيء يستثنى في تلكم المساعدة أو الأعطية مهما كان حجمه أو قيمته لأنه من منظورنا قليل في حق الأشقاء..
أما علاقتنا بالشقيقة تونس فزاخرة بالمواقف المشرفة حيث سطرنا معا تاريخا نعتز به و نفخر، فإبان حكم الراحل لحبيب بورقيبة كان له الدور الكبير في رفع التحدي الحقيقي و إزالة اللبس حول عروبة موريتانيا و كان له ما أراد حينها حيث دخلت البلاد جامعة الدول العربية؛ جاء ذلك بمبادرة منه شخصيا و بمساعدة من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين و الزعيم الراحل معمر القذافي رحمهم الله جميعا حيث أقنعوا بحكم ثقلهم دول الممانعة ممثلة في شخص الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر و بعض مناصريه ممن يخفون الأمر لكنهم يدافعون عنه رغم ذلك؛ و تلكم مواقف يحسب لها حسابها و لها في نفوسنا مكانة خاصة ناهيك عن موضوع العملة و الإنفصال الكلي عن لفرنك الإفريقي حيث لهؤلاء الرؤساء الثلاثة دورهم كذلك في دعم البلاد لكي تبدأ بسك عملة خاصة بها أسمتها الأوقية؛ و قد بقيت موريتانيا و لازالت على مواقفها حيث تقف بمسافة واحدة و لا دخل في السجال و لا في ما يدور بين الأشقاء إلا بالتي هي أحسن رغم الضغوطات..
و موريتانيا لمن لا يعرفها هي دولة كبيرة المساحة و المعنى رغم قلة الساكنة إلا أنها غنية بالموارد و ليست فقيرة كما وصفها بعض المتنطعين و مهرجي العصر، حيث حباها الله بأرض شاسعة مترامية الأطراف و خصبة تحوي في باطنها من المكنونات ما إن سُيِّرَ بعقلانية و حكمة لكَفَى أهل الأرض عامة و العربِ خاصةً، فهي تُصدر أجود أنواع الحديد و الصلب منذ إستقلالها لحد اليوم و تصنف ثالث أجود مُصَدِّرٍ لهذا النوع من المعادن، ناهيك عن الذهب و النحاس و الجبس و الإسمنت حيث يتوفر بكميات معتبرة و ذات جودة عالية، هذا بالإضافة للثروة السمكية حيث تشتمل شواطؤها على أجود عينات الأسماك النادرة المطلوبة عالميا، و لن يفوت أحد ذلك حسب ما هو ملاحظ من تهافت المستثمرين الأجانب من عرب و تركمان و صينيين و فرس و غيرهم سبيلا في الحصول على ترخيص للصيد من أجل أن يمخروا عُبَابَ مُحيطاتنا الغَنَّاءَ، دون أن ننسى الثروة الحيوانية حيث تعد حاليا سلة غذاء العالم العربي بعد أن كانت تطلق على السودان -من اللحوم لما تزخر به من أكبر كم من رؤوس الماشية- ليس ذلك تَبَجُحًا أو تَعالٍ معاذ الله و إنما هي حقيقة لزم تبيانها لمن فاتته لسبب أو آخر، و ليس إكتشاف البترول و الغاز في أعالي هذا المحيط الزَّاخِرِ و الحمد لله إلا زيادة خير و الذي من المتوقع أن يتم إستخراجه و بيعه في أقرب الآجال، و للعلم فإقتصادنا الوطني مُستقرُُ و لا يعاني من أي إختلالات بشهادة عديد مكاتب الدراسات و الخبراء الإقتصاديين..
أما نحن من الناحية العلمية أو الثقافية فالبلاد غنية عن التعريف و عطاؤها العلمي و المعرفي مشهود به و علاقاتها مع الأشقاء وطيدة و عريقة ضاربة في القدم حيث جاب علماؤها و مفكروها العالم و نشروا الإسلام بكافة الربوع و مؤلفاتهم مازالت قائمة و هي مراجع علمية يُعتدُ بها و يُؤْخذُ عنها و يُستدلُ بها و شعار بلادنا الإباء و الثبات على القيم النبيلة فلا تستميلها حضارة الغرب و لا يحاكونه في شيء عكس إتصاف البعض و مسايرته له حتى و لو على حساب المبادئ الحميدة و تلكم القيم هي من فقدت بعالمنا العربي اليوم للأسف الشديد..
#لا_للمساس_بوشائجنا