كل حزب يُؤسس على فكرة المعارضة ؛ معارضة النظام و معارضة المعارضة ، بمعنى أن الدستور و القانون يحميان و يوضحان "حق الاختلاف في الرأي" . و حين تكون لديك أفكار بناءة و مشروعة لا يتبناها و لا يطالب بها أي حزب على الساحة ، يمنحك القانون حق ترخيص حزب لتحقيقها.
و حين تستلم أوراق ترخيص حزبك، تجلس لتقرر بمجموعتك ، هل تمارسون نشاطكم ضمن المنظومة الحاكمة أي أن تكونوا مما يسمى "الموالاة" (و هو تعبير غير دقيق سياسيا)..
و إما أن تقرروا ممارسة نشاطكم من خارجها لتصبحوا مما يسمى "معارضة" (و هو تعبير غير دقيق قانونيا) .
حين تقول إنك تدعم برنامج رئيس الجمهورية ؛ فهذا حقك الشرعي لكن يجب أن يُحَلَّ حزبك لأن سقوط حق الاختلاف يُفقدك كل شرعيتك ..
و حين تقول إنك تدعم رئيس الجمهورية ،تدخل مجال المحاباة الساذجة بما لا يُخفِي أنك تقول بوضوح "ظالما كان أو مظلوما"..
التناقض اليوم ، بين ما تدعيه جل الأحزاب و ما تمارسه على الأرض يفقدها قانونيا كل مبرراتها و كل شرعيتها ..
لو كان للمعارضة رب يحميها في موريتانيا أو قانون يدافع عنها أو جمهور يذود عن حياضها ، لما وَحَّد َ"الإسلاميون" (و هم يتربعون على عرش الزعامة الشرعية للمعارضة) ، لوائحهم مع الحزب الحاكم في الانتخابات..!
لو كان للكلمات أو الصفات معنى في موريتانيا ، لما كان حزب الإخوان "المسلمين" أقرب المقربين (حد التحالف غير المعلن) مع عصابة "افلام" التي سبق أن حملت السلاح ضد البلد و تتوعده كل حين بالعودة إلى حمله من جديد .. لَمَا كان الإخوان أقرب المقربين إلى عصابة محرقة الفقه المالكي التي يسميها الجاهل بيرام "فقه النخاسة" لتضمنها (الحر بالحر و العبد بالعبد) و هي مشكلة بين الإخوان و "إيرا" مع مليار مسلم ، لا علاقة لموريتانيا و لا للفقه المالكي بها.
*من يستطيع أن يفسر لي أسباب التقارب الفكري بين الإخوان المسلمين و إيرا و افلام* ؟
لو كان للمعارضة و الموالاة معنى في موريتانيا ، لكان لها وسط و يمين و يسار و حمائم و صقور و كانت لها خريطة أفكار قابلة للقراءة لا تُفوِّتُ تحالف "إيرا" و الصواب.!
و صحيح أن "الصواب" (و هي تسمية من اختيار ولد ابريد الليل) ، ليست تعبيرا سياسيا ، لكن المؤكد أنه جانَبَ الصوابَ إلى أبعد حد حين أبرم اتفاقا بين منظمة حقوقية غير مرخصة و حزب سياسي ، بغض النظر عن الخلفيات المعروفة للجهتين ..
*من يستطيع أن يفسر لي أسباب التقارب الفكري بين إيرا و الصواب* ؟
لقد أصبحت كل المعجزات أمرًا ممكنا في هذا البلد !!
ما يحدث في موريتانيا اليوم ، يسمى أصدقاء الرئيس و أعداء الرئيس ، لا علاقة له بموالاة و لا بمعارضة و لا بالسياسة بأي مفهوم و لا بالأحزاب و لا بأي شيء معروف في العالم .
و حين تسأل من يدعي تشجيع برنامج رئيس الجمهورية ، تجده لا يعرف أي شيء عنه !!
و حين تسأل من يدعي تشجيع رئيس الجمهورية ، لا تجده يختلف عنه في شيء: لا أحد في هذا البلد يحسب حسابا لموقف أو يستشين حالة شذوذ سياسي أو أخلاقي و لا أحد يحرجه أي حد من السخافة .!
و لست ممن يقدسون النظم الديمقراطية ؛ لأنها لا تدعم ثقافتي و لا تحترم قيمي و لا تقدس ديني و لا تهتم بخصوصيتي و لا تتأسى لحالي ، لكن إيمانكم أنتم بالديمقراطية و تلاعبكم بمقدساتها هو مشكلتكم الحقيقية.
لا شك أن سيطرة الغوغاء على واجهة المشهد السياسي و الثقافي و الإعلامي ، تحتاج معارك صعبة و طويلة النفس لتخليص البلد من هذا الواقع المخجل الذي أصبح الجميع (في الداخل و الخارج)، يصفها به و يعيِّرها بأسوإ النعوت بسببه ، لكن اعتقاد الرئيس بأن هذه الغوغاء هي أكثر ما يخدمه ، اعتقاد خاطئ و خطير :
خاطئ لأنه تجاوز مقادير الوصفة الصحية ..
و خطير لأن أصحابه لا يعرفون الحدود ..