سيد أحمد عبد الله باب يكتب /؟حرية التعبير بين الإطلاق والتقييد

أربعاء, 11/20/2024 - 07:46

تعد حرية التعبير من الحقوق الأساسية التي تشكل إحدى الدعائم الجوهرية للمجتمع الديمقراطي، وأهم الحريات وأشملها، حيث يتفرع عنها عدد من الحريات الأخرى كحرية الصحافة وحرية اعتناق الآراء وحرية نقل المعلومات.
وتعني هذه الحرية إخراج الرأي إلى الناس عبر وسائل التعبير المختلفة، فهي إما كتابة أو فنا أو عبر لغة الجسد أو أي وسيلة أخرى يبتكرها صاحب الرأي وتعبر عن مضمون.
بينما يمكن تعريف حرية التعبير الإلكتروني بأنها "كل اتصال تم من قبل شخص طبيعي كان أو اعتباري عبر الشبكة العنكبوتية –الإنترنت-دون التقيد بالحدود الجغرافية بأي وسيلة كانت سواء كانت الوسيلة المستخدمة هي القول أو الكتابة أو عمل فني أو غير ذلك من الوسائل، على أن يكون هذا الاتصال موجه للجمهور أو إلى فئة معينة منهم"
وقد تطورت هذه الحرية عبر التاريخ انطلاقا من وثيقة الحقوق المانحة للحرية في الرأي سنة 1689 في إنجلترا مرورا بإعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا عام 1789، لتصبح حجر الزاوية في مختلف المواثيق الدولية والإقليمية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966، ليتم تكريسها في صلب مختلف الدساتير.
ومع ظهور التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، اتخذت حرية التعبير أبعادًا جديدة، حيث أصبحت هذه الوسائل منصة لتمكين الأفراد من التعبير عن آرائهم ومشاركة أفكارهم بشكل غير مسبوق، مما جعلها من المسائل الشائكة التي يكثر الحديث حولها في وقتنا الحالي، وعن مضمونها وحدودها، والإشكالات التي تطرح الممارسة المفرطة لها دون ضوابط قانونية وأخلاقية تضعها في إطارها الصحيح، لما يترتب على ذلك من تهديد وإهدار لحقوق الافراد ومصلحة المجتمع بصفة عامة.
وبالرغم من إيجابيات الثورة التكنولوجية وانتشار استخدام شبكة الإنترنت ومساهمتها الفعالة في جميع نواحي الحياة، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعرفية، فإنها تنطوي على سلبيات كثيرة في حالة استخدامها للتحريض على العنف أو الكراهية أو إشاعة الفوضى، أو الاعتداء على حقوق الآخرين في الكرامة والشرف، وفي حياتهم الخاصة بالسب والتشهير وانتهاك أعراضهم.
وهذا ما يطرح إشكالية ضرورة إعادة التوازن بين حرية التعبير كحق دستوري يجب أن لا يقيد إلا بمقتضى القانون وعلى نحو لا يجرد المقتضيات الدستورية من فحواها، وبين حق الأفراد والمجتمع بصفة عامة في حمايتهم في أعراضهم وشرفهم وكرامتهم في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل والانتشار السريع للمعلومات، وجعل حرية التعبير مطية لكيل السباب والإساءات والنيل من الأعراض وخدش الشرف، الشيء الذي جعل التشريعات تبادر لوضع ضوابط لهذه الممارسات، والمشرع الموريتاني كغيره بادر إلى ذلك بوضع قانون يتعلق بالجريمة السيبرانية.
وبناء على ذلك يحق لنا أن نتساءل كيف وازن المشرع الموريتاني بين الحق في حرية التعبير وحق الشخص في حمايته في سمعته وكرامته؟
وانطلاقا من تلك الإشكالية يمكن طرح مجموعة من الأسئلة من قبيل
هل الحق في حرية التعبير هو حق مطلق؟
وإن كان غير مطلق فماذا يقيده؟
وما هي ضوابط ممارسته في ظل الثورة التكنولوجية وانتشار استخدام الإنترنت؟

وقد ارتأينا الإجابة على هذه التساؤلات من خلال المنهجية التالية
المحور الأول: الأساس القانوني لحرية التعبير
المحور الثاني: حدود حرية التعبير

المحور الأول: الأساس القانوني لحرية التعبير
نظرا لأهمية هذا الحق في ظل دولة القانون والديمقراطية تم تكريس هذا الحق في مختلف الدساتير والاتفاقيات الدولية
أولا: على مستوى الدستور
كرّست مختلف الدساتير، بما في ذلك الدستور الموريتاني، الحق في حرية التعبير، حيث تنص المادة 10 منه على أنه " تضمن الدولة لكافة المواطنين الحريات العمومية والفردية، وعلى وجه الخصوص....
حرية التعبير..."
ليؤكد في الفقرة الأخيرة من نفس المادة على أن الحرية لا تقيد إلا بالقانون.
وتعتبر حرية التعبير مقومة وركيزة أساسية من مبادئ الديمقراطية التي أكد الدستور في ديباجته على الالتزام بها.
وإدراكاً من المشرّع لأهمية هذا الحق، فقد أوكل حماية حرية التعبير إلى القضاء باعتباره الحامي للحقوق والحريات. ويظهر ذلك من خلال المادة 91 من الدستور التي تنص على أن "لا يعتقل أحد ظلماً، فالسلطة القضائية الحامية لحريات الأفراد تضمن احترام هذا المبدأ ضمن الشروط القانونية"
وإذا كانت الوظيفة الأساسية للسلطة القضائية حماية الحقوق والحريات من أي مساس أو تقييد غير مشروع، فإن ذلك يتطلب تمكينها من الوسائل والمعايير التي تضمن استقلالها التام للقيام بمهامها القانونية على أكمل وجه.
ورغم أن الدستور الموريتاني ينص على استقلال السلطة القضائية في المواد 89 و90، إلا أن تنزيل هذه المقتضيات في القوانين الوطنية يشوبه بعض الاختلالات التي تتناقض مع روح و فحوى هذا المقتضى الدستوري، وتحدّ من استقلالية السلطة القضائية، لا سيما فيما يتعلق بتبعية جهاز النيابة العامة للسلطة التنفيذية من خلال رئاسة وزير العدل له، الشيء الذي قد يؤثر على استقلال قضاة النيابة العامة ويجعلهم عرضة للتوجيه من قبل السلطة التنفيذية، واستخدام هذا الجهاز لخدمة مصالحها الخاصة، وتصفي به حساباتها مع خصومها السياسيين، خاصة بعد صدور القانون رقم 021/2021 المتعلق بحماية الرموز الوطنية.
وفي خطوة جريئة مؤخراً نحو تحقيق العدالة والمساواة وحماية الحقوق والحريات، أعلن المجلس الدستوري عدم دستورية بعض أحكام هذا القانون، مما يشير إلى تطور إيجابي في السعي نحو تحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات من تعسف السلطة التنفيذية التي سعت من خلال هذا القانون إلى التمييز بين أعراض المسؤولين الحكوميين مع باقي المواطنين كما أشار إلى ذلك المجلس الدستوري في قراره.
ثانيا: المواثيق الدولية
تكرّس الإعلانات والاتفاقيات الدولية الحق في حرية الرأي والتعبير، وتعدّه جزءاً أساسياً لا يتجزأ من حقوق الإنسان التي ينبغي على الدول الاعتراف بها للأشخاص وحمايتها ضمن التشريعات الوطنية.
ومن أبرز المواثيق التي أكدت هذا الحق، والتي سنختصر عليها، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، على اعتبار إحالة الدستور الموريتاني في ديباجته إلى هاتين الوثيقتين كمرجعين أساسيين لحماية حقوق الإنسان.
أ-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، ويعتبر أحد أهم المواثيق الدولية التي كرّست الحق في حرية الرأي والتعبير، حيث تنص المادة 19 منه على أن: "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود"
إن هذا النص يؤكد على أن حرية الرأي والتعبير يجب أن تكون متاحة للجميع دون قيود، وبأي وسيلة، الشيء الذي من شأنه أن يعزز من مساحة الحرية الشخصية ويشجع على تداول المعلومات والأفكار بشكل حرّ دون قيود أو عراقيل أو خوف من الرقابة أو القمع.
ب-الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب
صدر الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في 28 يونيو 1981، ويمثل إسهاماً مهماً في تعزيز حقوق الإنسان في القارة الإفريقية، وقد أحال إليه الدستور الموريتاني، مؤكداً التزامه بالمبادئ التي يتضمنها.
حيث تنص المادة التاسعة من هذا الميثاق على أنه:
​​1-من حق كل فرد أن يحصل على المعلومات
​​2-يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح
يؤكد هذا الميثاق على مقتضى أساسي ومهم يمكن تصنيفه على أنه حق مكمل أو بالأحرى من صميم حرية التعبير المتمثل في النص على حق الأفراد في الحصول على المعلومات، نظرا للارتباط الوثيق بين الحق في الحصول على المعلومة ونشرها للعموم، بمعنى آخر الحق في التقصي والبحث عن المعلومات، توطئة لنشرها، من أجل إطلاع الرأي العام بها، ولذا فقد أجمع الفقه القانوني على أن حرية البحث عن المعلومات هي جزء أساسي من حرية التعبير، مع مراعاة أن يكون النشر ضمن الإطار القانوني الذي يحافظ على النظام العام والأخلاق الحميدة والحياة الخصوصية للأفراد.
كما رأينا تُعَدُّ حرية الرأي والتعبير إحدى الحقوق الأساسية التي تكفلها مختلف التشريعات الدولية، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، حيث تؤكد هذه الوثائق أن من واجب الدول حماية هذا الحق وتعزيزه، وضمان عدم تعريض الأفراد لأي تضييق أو تقييد يمنعهم عن التعبير عن آرائهم بحرية، إلا أنه ما دامت الحقوق والحريات لا تمارس إلا في ظل القانون ولا تقيد إلا به، فما هي حدود حرية التعبير؟
المحور الثاني: حدود حرية التعبير
لا مراء في أن حرية التعبير عن الرأي من الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور والمواثيق الدولية كما بينا سابقا في إطار التأصيل القانوني لهذا الحق، الذي يتيح للفرد أن يعبر عن أفكاره وآرائه بحرية تامة، دون أن يتعرض للمنع أو التقييد غير المبرر.
ومع ذلك، فإن هذه الحرية ليست مطلقة؛ بل تتوقف عند حدود حقوق الآخرين في حمايتهم في العرض والشرف والكرامة.
فقد يتجاوز البعض حدود التعبير عن الرأي إلى السب والشتم والتجريح، بل وحتى القذف، تحت ذريعة حرية التعبير، متجاهلين أن القانون لا يحمي هذا النوع من السلوكيات، بل يعاقب عليها سواء في إطار القانون الجنائي أو ضمن قوانين خاصة مثل القانون المتعلق بالجريمة السبرانية رقم 007-2016
وهذا ما يشوه مفهوم حرية التعبير ويسيء استخدام ممارسته، ويجعله مطية للاعتداء غير المبرر على الآخرين، وكأنه حق مطلق تتم ممارسته دون ضوابط قانونية، على منحى يشكل اعتداء سافرا على أعراض الآخرين والنيل من كرامتهم وحياتهم الخاصة.
وعلى هذا الأساس سنتطرق لمفهوم جريمة المساس بأعراض الأفراد بالتجريح والتشهير بهم عبر الإنترنت كما تم النص عليها من خلال القانون المتعلق بالجريمة السيبرانية والأركان المكونة لها، ثم الجزاءات المترتبة على ذلك.
أولا: جرائم المساس بالعرض والتشهير على الإنترنت
أ-مفهوم السب والتشهير
لم يتعرض المشرع في القانون المتعلق بالجريمة السبرانية لتعريف مفهوم كل من التشهير والسب وحسنا فعل نظرا لصعوبة وضع تعريف دقيق وشامل للمفهومين، تاركا المجال مفتوحا للسلطة التقديرية للقاضي لكشف وتفسير الملابسات المتعلقة بكل قضية على حدة، لكن انطلاقا من المادة 24 يمكن تعريف السب بأنه كل تسجيل أو نص مكتوب أو صورة أو بأي وسيلة أو على أي دعامة تحمل ألفاظ أو عبارات مهينة أو مسيئة أو تجريح يمس بعرض الشخص وسمعته، بينما يمكن تعريف التشهير بأنه كل نشر أو نقل لمعلومات أو أخبار كاذبة أو مضللة أو كل ما من شأنه أن ينال من سمعة المجني عليه أو يحط من كرامته.
وقد يرتكب البعض على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأفعال ضد أشخاص آخرين دون إدراك أن ما يقومون به يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون.
وغالباً ما يتم استخدام عبارات جارحة أو افتراءات قد تضر بسمعة الأشخاص، وتلحق بهم الأذى
ومن المهم التأكيد أن حرية التعبير تتوقف عند المساس بكرامة الآخرين والتعدي على خصوصياتهم، والوقوع في أعراضهم، وهو أمر يُعدّ انتهاكاً واعتداء على الآخرين، ومخالف تماما لمفهوم حرية التعبير، وبالتالي يشوّه ويسيء لهذا المفهوم.
ب-العناصر المكونة للجريمة
بالإضافة إلى الركن القانوني المتمثل في نص المادة 24 تقوم جرائم السب والتشهير على الإنترنت على عنصرين
1-عنصر مادي: يتمثل في كل فعل تسجيل أو نص مكتوب أو صورة أو أي وسيلة أخرى تحتوي على إساءة أو تشهير يمس بسمعة شخص أو عدة أشخاص تم نشرها على أي مواقع أي دعامة إلكترونية حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 24 "يعاقب القيام عن قصد، بنشر عبر نظام معلوماتي، تسجيل الصور أو الأصوات أو النصوص..."
ويدخل في ذلك النشر عبر تطبيق "الفيسبوك" التي تكثر فيه هذه الممارسات في وقتنا الحالي.
: 2-عنصر معنوي
نعني به القصد الجنائي الذي يعرفه بعض الفقه بأنه " علم بعناصر الجريمة وإرادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر" وبالتالي فالعنصر المعنوي في جريمة السب والتشهير هو إدراك الشخص لفعل السب أو التشهير واتجاه إرادته من وراء ذلك إلى تحقيق النتيجة التي يتوخى والمتمثلة في الإساءة إلى هذا الشخص أو تشويه سمعته، حيث نجد المشرع ينص على عبارة " عن قصد الإضرار" وهذا يعني أن هذه الجريمة من الجرائم التي اشترط فيها المشرع توفر قصد خاص لقيامها وهو الإضرار.
ثانيا: الجزاءات المترتبة
تمثل العقوبة أقصى درجات الحماية التشريعية للقيم والمصالح الفردية والجماعية، و أقوى أدوات السلطة العامة، ويتولى القضاء توقيع هذه العقوبة باسم المجتمع على كل شخص ارتكب فعلا محظورا جنائيا، ومن أجل حماية المجتمع في أعراضه و كرامته من أي اعتداء، كان من الضروري فرض عقوبات ضد كل من ينتهك حقوق الأفراد في حماية العرض والشرف، بهدف تحقيق الردع الخاص، مما يخلف لدي الجاني الشعور بالندم والرغبة في التوبة، ومن جهة أخرى تحقيق الردع العام من خلال منع الناس من ارتكاب جرائم جديدة، ثم تحقيق العدالة التي تخلف ارتياحا لدى الضحية و ذويه وأفراد المجتمع بصفة عامة، وهو ما يساهم في الحد من الاعتداء على الاعراض، وانطلاقا من ضرورة حماية الأفراد في أعراضهم وشرفهم، رتب المشرع مجموعة من الجزاءات الجنائية على المخالفين، بالإضافة إلى الجزاء المدني المتمثل في حقّ الضحية في التعويض عن الضرر الذي لحق به
أ-الجزاء الجنائي
بالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة 24 من القانون رقم 007-2016 المتعلق بالجريمة السيبرانية نجدها تقرر عقوبة حبسية من شهرين إلى سنة وبغرامة مالية من مائتي ألف 200000 إلى مليونين 2000000 أوقية حيث تنص هذه المادة على أنه" يعاقب القيام عن قصد، بنشر عبر نظام معلوماتي، تسجيل الصور أو الأصوات أو النصوص المذكورة في الفقرة السابقة بالحبس، من بين أمور وأخرى، من شهرين إلى سنة وبغرامة مالية من 200000 إلى 2000000 أوقية، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط"
وحسب منطوق هذه المادة يمكن للقاضي الجمع بين العقوبتين، أي الحبس بالإضافة إلى الحكم بالغرامة، أو الحكم فقط بإحدى هاتين العقوبتين في إطار السلطة التقديرية للقاضي
ب-الجزاء المدني
على الرغم من نص القانون المتعلق بالجريمة السيبرانية في العديد من مقتضياته على الحق في التعويض علاوة على الجزاء الجنائي، إلا أنه لم ينص في المادة 24 على حق الضحية في المطالبة بالتعويض، ورغم ذلك لا شيء يمنع كل من تضرر، سواء كان الضرر ماديا أو معنويا أن يطالب بالتعويض، ذلك أنه بالرجوع إلى القواعد العامة نجد المادة 97 من ق أ ع تنص على أن " كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار من غير أن يسمع له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر"
وبالتالي يحق لكل شخص حصل له ضرر مادي أو معنوي جراء سب أو تشهير المطالبة بالتعويض، إلا أن الملاحظ أنه في جرائم السب والتشهير غالبا ما يكون الضرر معنويا، فكيف يعوض؟
يجتمع الفقه والقضاء اليوم وغالبية التشريعات بما فيها التشريع الموريتاني -المادة أعلاه -على إمكانية التعويض عن الضرر المعنوي على الرغم من صعوبة تقديره، لأن التعويض لا يرمي إلى إزالة الضرر من الوجود، وإنما المقصود بالتعويض أن يتوفر للمضرور ما يخفف عنه أثر الضرر الذي أصابه، وهكذا فمن أصيب في شرفه -كما في حالة هتك العرض أو السب أو النيل من السمعة -جاز له أن يعوض عن ذلك بما يرد له اعتباره، وتبقى السلطة التقديرية للقاضي في تقديره

خاتمة
وهكذا يظهر أنه إذا كانت حرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان وركيزة مهمة في النظم الديمقراطية، وتم تكريسه والتأكيد عليه في مختلف المواثيق والتشريعات الوطنية، إلا إن هذا الحق ليس حقا مطلقا، وإنما يجب أن تتم ممارسته في إطار ضوابط قانونية، خاصة في ظل انتشار ظاهرة السب والشتم والتشهير في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مفرط.
وفي اعتقادنا يعود انتشار هذه الظاهرة بشكل رئيسي إلى عدم مبادرة المتضررين باللجوء إلى القضاء للمطالبة بتحريك الدعوى العمومية ضد مرتكبي هذه الأفعال، وتنصيب أنفسهم كطرف مدني، حيث قد يتجنب البعض الدخول في الإجراءات القانونية، إما لاعتبارات اجتماعية ضيقة، أو لسبب عدم معرفتهم بحقوقهم القانونية، وأحيانا لتفادي التعقيدات التي قد ترافق هذه الدعاوى، إلا أن اتخاذ هذه الخطوات القانونية يعد ضرورياً لضمان حماية الأفراد من الأذى اللفظي والاعتداءات التي تمس شرفهم وكرامتهم، وتؤثر على حياتهم الشخصية.
ونتيجة لكثرة هذه الممارسات في وسائل التواصل الاجتماعي نرى أنه من الضروري تفعيل المساطر القانونية لردع الأفراد عن استخدام حرية التعبير كذريعة للتعدي على الآخرين، ولبثّ الوعي القانوني في المجتمع حول تحمل المسؤولية الكاملة لكل من تسول له نفسه الاعتداء أو المساس بأعراض الآخرين وإلحاق الأذى والضرر بهم، وأن تترسخ في أذهان الجميع أن حقوق الأفراد في التعبير تنتهي حيث تبدأ حقوق الآخرين في الخصوصية والكرامة.