الحقيقة/انواكشوط ـ تتواصل منذ العام 1998م تداعيات نزاع على أرص مسجد أبي عبيدة بن الجراح في مقاطعة لكصر بالعاصمة نواكشوط، بين جماعة المسجد من جهة وإمامه القديم والمدير العام للجامع والمحظرة من جهة أخرى.
ودخل النزاع بين الطرفين أروقة القضاء ووصل محاكم الاستئناف، كما مر بعدد من القطاعات الحكومية فضلا عن ولاية نواكشوط والسلطات الإدارية بمقاطعة لكصر التي أصدرت تقارير حول النزاع المستمر طيلة العقدين الماضيين.
وتسبب النزاع الذي ينتظر حاليا أن تحسمه وزارة الشؤون الإسلامية، في منع الترخيص ببناء مسجد في القطعة الأرضية أو ترميم الكوخ الصغير المخصص للصلاة داخلها، كما تم في مرات عديدة وقف أعمال ترميم الحائط.
أصل النزاع
ويعود النزاع إلى اتهام الجماعة القيمة على المسجد حاليا لمجموعة تضم إمامه القديم محمد يحظيه ولد محمد المامي والمدير العام للجامع والمحظرة التابعة له ديدي ولد محمد الإمام باحتلال أرض المسجد وتحويلها إلى ملك شخصي وبيع 3 قطع من أصل 6 قطع أرضية هي مجموع مساحة المسجد بمبلغ قدره: 12.500.000 أوقية.
بينما تقول مجموعة الإمام ديدي ولد محمد الإمام إن لديها ثلاث قطع أرضية ضائعة ضمن المساحة المخصصة للمسجد في مخطط الحي، ما جعلها تطالب باستصدار رسائل منح لهذه القطع، ليصدر حاكم مقاطعة لكصر قرارا بتاريخ 06/10/2005 بتقسيم الأرض إلى جزءين يضم كل منهما ثلاث قطع، ويخصص أحد الجزءين للمسجد والثاني للمجموعة.
وقد رفعت جماعة المسجد دعوى قضائية ضد مجموعة إمامه القديم، غير أن الغرفة الإدارية في محكمة ولاية نواكشوط حكمت برفض قبول الدعوى لانعدام الصفة عن جماعة المسجد باعتبار أن الوزير المكلف بالتوجيه الإسلامي هو من يتولى الإشراف على المساجد بموجب القانون رقم: 2003/31 المتعلق بالمساجد.
وتضمنت رسالة موقعة من طرف وزير العدل مؤرخة بتاريخ 10 إبريل 2008 وتحمل الرقم: 186/08، حصلت عليها الأخبار، وتتعلق بالنزاع حول مسجد أبي عبيدة، توضيحا إلى وزارة الشؤون الإسلامية باعتبارها "المؤهلة قانونا لتقديم العرائض والمذكرات والدفاع" في قضية النزاع حول أرض المسجد.
وتوجد ثلاث مخططات للحي الذي يقع فيه مسجد أبي عبيدة تظهر أولاها مساحة المسجد كاملة فيما تظهر الثانية مساحة المسجد وهي موزعة إلى ست قطع أرضية تحمل الأرقام من 729 إلى 734 في الوقت الذي تحمل القطع الأرضية المجاورة لمساحة المسجد من الجهة الشرقية الأرقام: 444، 445، 446 ومن الجهة الغربية: 388،389 ومن الجهة الجنوبية: 317، 315 ومن الجهة الشمالية: 495، 497.
أما المخطط الثالث فيظهر مساحة المسجد دون توزيعها إلى قطع كما في المخطط الأول وتحمل بداخلها عبارة : (مسجد/ Mosquée)، كما يوضح هذا المخطط أن القطع التي تحمل الأرقام من: 729 إلى 734 توجد في الحي نفسه إلا أنها تقع على مسافة بعيدة غربا عن أرض المسجد.
وثائق ومراسلات
وحصلت الأخبار على مجموعة تقارير ورسائل وإحالات متبادلة بين بعض حكام مقاطعة لكصر وولاة نواكشوط ووزراء الشؤون الإسلامية والإسكان والعدل خلال العقدين الماضيين، تؤكد أن النزاع حول أرض المسجد قد خضع لتحقيقات على مستوى كافة الجهات المعنية به للتأكد من ما إذا كانت القطعة الأرضية تعود فعلا للمسجد أم هي ملك لأشخاص.
ففي رسالة من الأمين العام لوزارة الشؤون الإسلامية بتاريخ 03 مارس 2008، موجهة إلى والي نواكشوط تعترض الوزارة على منح القطعة رقم: 444 مكرر (وهي نفسها موضوع النزاع، كما في تقرير صادر عن حاكم لكصر أحمدو ولد محمد كاكيه):
"إننا نتحفظ على أي منح لهذه القطعة من طرف مصالحكم نظرا لكون القطعة قد خصصت لمسجد مقام فيها الآن وعلى كل امتدادها وحماية بيت من بيوت الله هي من صميم عملنا، كما أن إعادة المنح لأي أغراض أخرى أمر باطل ولا مبرر له".
وجاء في رسالة أخرى موقعة من طرف وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي موجهة إلى وزير الإسكان والعمران بتاريخ 24 ديسمبر 2009، طلبُ البحث عن أرقام القطع الأرضية: 730، 713، 732 بمقاطعة لكصر/ الحي C6 (والتي هي موجودة حسب المخطط الثاني للحي في مساحة المسجد)، وتساءلت رسالة الوزير: "هل هي موجودة على مخططكم العمراني أم لا".
بينما تشير رسائل رسمية أخرى إلى الملكية الخصوصية للقطعة الأرضية محل النزاع؛ من بين هذه الرسائل رسالة من حاكم مقاطعة لكصر تحمل الرقم: 311 بتاريخ 14/09/2005، إضافة إلى تقرير من الحاكم أيضا يحمل الرقم 319 بتاريخ: 22/09/2005 يبرر قراره بتقسيم الأرض إلى جزءين يضمن كل منهما 3 قطع أرضية، وكذا تقريره رقم: 313 بتاريخ 20/08/2007 المتعلق بشغور المساحة وتجزئتها بموافقة وزارة التجهيز إلى قطع متعددة.
رأي الأطراف
الأخبار التقت مختلف أطراف النزاع بدءا بالجماعة القيمة على المسجد حاليا ومجموعة ديدي ولد محمد الإمام، كما حصلت على رأي من وزارة الشؤون الإسلامية حول النزاع باعتبارها الجهة الوصية على المسجد والمخولة قانونيا بالدفاع عن أرضه.
حمادي ولد علال المتحدث باسم جماعة المسجد دعا في حديث للأخبار، وزيرَ الشؤون الإسلامية إلى الاستعانة بوزارة الإسكان للتأكد من ملكية القطعة الأرضية وهل تعود للمسجد أم هي أرض خصوصية؟ وأضاف: "فإذا كانت أرضا خصوصية على السلطات طردنا منها، وإذا كانت للمسجد فعليهم منحنا الإذن ببنائه".
وأكد ولد علال أن كل ما تطالب به الجماعة التي قال إنها عملت ما في وسعها لحماية أرض المسجد، هو أن تتحمل وزارة الشؤون الإسلامية المسؤولية باعتبارها الجهة الوصية على المساجد، مشيرا إلى أن الكرة في مرمى الوزارة حاليا.
من جهته ديدي ولد محمد الإمام، قال في تصريح مقتضب للأخبار، إن الجماعة القيمة على المسجد حاليا اعتمدت أسلوب الاحتيال واتهام الآخرين لوضع يدها على شؤون المسجد، وذلك بحثا عن العائد المادي للمسجد ومحظرته، بحسب تعبيره.
وأكد ولد محمد الإمام في حديثه للأخبار، أن ملف النزاع حول أرض مسجد أبي عبيدة يوجد الآن بين يدي المسؤولين الحكوميين عنه الذين قال إنهم سيصدرون قريبا قرارهم النهائي بشأنه ليتم طرد الجماعة القيمة عليه الآن.
أما وزارة الشؤون الإسلامية فقد اعتبرت في حديث للأخبار أن النزاع حول المسجد المذكور قديم وتوجد فيه أحكام وقرارات إدارية مختلفة لصالح الطرفين.
وأضافت الوزارة أن ملف النزاع حول المسجد وصل مكتب وزير الشؤون الإسلامية الحالي أحمد ولد أهل داوود قبل شهر من الآن لأول مرة، وأكدت أنه بيد لجنة فض النزاعات.
كما أكدت وزارة الشؤون الإسلامية أن أولوية اللجنة حاليا هي البحث عن حلول عرفية بين طرفي النزاع، وفي حال فشلت هذه المساعي "سيتخذ الوزير قرارا في الموضوع".
الأخبار