تسعى أميركا وإسرائيل والسعودية، التي تشترك في كراهيتها للنظام الإيراني، للحد من قبضة طهران على المنطقة عبر تحالف قد يرى النور قريبا.
هذا ما يراه رئيس قسم الشؤون الدولية بصحيفة لوموند الفرنسية كريستوف عياد، إذ يقول إن ما يرتسم الآن ضمن إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد هو محور لم يسبق له مثيل يجمع بين السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة.
فلم يكد تنظيم الدولة الإسلامية يتلاشى أو على الأقل يخبو بريقه حتى بدأت صراعات أخرى كانت كالجمرة المتقدة تحت الرماد تطفو على السطح، بعد أن ظل صعود وسقوط المشروع الجهادي في الشرق الأوسط يحجبها عن الواجهة.
بدأ ذلك بمطالبة أكراد العراق بالاستقلال قبل أن يوأد حلمهم في المهد، في انتظار معرفة المصير الذي سيخصص لأبناء عمومتهم في سوريا.
ولكن الصراع الأهم هو ذلك الذي يشتد شيئا فشيئا بين السعودية وإيران، وهما القوتان الإقليميتان الرئيسيتان اللتان تجسدان ما يطلق عليه بشكل غامض ومضلل "الصراع السني الشيعي".
هذا الحريق يعود بأقصى سرعة ممكنة، تغذيه الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترمب الذي أعطى إشارته لبدء تأجيجها منتصف أكتوبر/تشرين الثاني 2017، عندما هدد بإلغاء الاتفاق النووي الذي توصلت إليه القوى الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا) وإيران بخصوص برنامجها النووي المثير للجدل، وذلك في يوليو/تموز 2015.
وزادت السعودية فجأة الطين بلة عندما أجبرت رئيس الوزراء اللبناني (السني) سعد الحريري على الاستقالة، وجعلته في الخطاب المعد سلفا -وفقا لمصادر صحفية عديدة- والذي قرأه بصوت باهت، يستنكر تدخلات حزب الله وعرابه الإيراني وتدخله في شؤون بلاد الأرز.
وشفعت السعودية ذلك بإعلان أحد وزرائها في اليوم التالي بأن المملكة تعتبر في "حالة حرب" في لبنان وباتهام طهران مباشرة بإطلاق صاروخ قادم من اليمن اعترضته دفاعاتها الجوية قبل أن يسقط قرب عاصمتها الرياض.
إيران وإسرائيل
وفي مواجهة "حلف الكراهية" الذي يريد تقويض حضورها الإقليمي وتقليم أظافرها، تتحكم إيران من خلال بيادقها في سوريا ولبنان والعراق (بشكل أقل) واليمن (بشكل أقل من العراق).
وتهدف طهران من خلال سعيها الدائم إلى الحصول على أسلحة الدمار الشامل (النووية المجمدة حاليا، والصاروخية التي تتطور بشكل سريع) إلى ضمان التفوق الإستراتيجي، وتتحدث بدلا من ذلك عن السعي للتكافؤ، وهو ما لا يمكن لإسرائيل والسعودية أن تقبلاه.
أما إسرائيل، فهي متعطشة لحلفاء أو على الأقل قوى "ودودة تجاهها" في منطقة معادية لها منذ ولادتها، بسبب عدم سماحها بقيام دولة فلسطينية، ذلك الدور الذي كانت إيران الشاه وتركيا الكمالية تلعبانه.
وكان العرب -ناهيك عن الفلسطينيين- الخاسرين الأكبر في ذلك الاتفاق الضمني، لكن الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 غيّرت كل شيء؛ إذ أعلنت إيران آية الله الخميني نفسها مناصرة للقضية الفلسطينية.
ثم أصبحت تركيا معادية لإسرائيل في ظل قيادة الإسلاميين برئاسة رجب طيب أردوغان، بل إن البلدين قطعا علاقاتهما الدبلوماسية بين عامي 2010 و2016، وتمت استعادة العلاقات بين البلدين لكن دون أن تعود الثقة بينهما.
الحركة التكتونية
وتسارعت وتيرة هذه الحركة التكتونية، التي كانت بطيئة وخفية، مع وصول جيل جديد من الزعماء في الخليج ممن لا يجدون ضيرا في كسر ما كان أسلافهم يعتبرونه من المحرمات.
وهكذا فإن محمد بن سلمان، الرجل القوي في السعودية، ومحمد بن زايد، صاحب الإمارات، ليسا مهمومين بقضية فلسطين "المقدسة"، بل إن إيران هي التي تمثل هاجسهم الأكبر، كما اكتشفت إسرائيل كذلك أن العرب من السهل تقسيمهم إن لم يقسموا أنفسهم بأنفسهم، كما هي الحال في الأزمة القطرية.
واليوم لم يعد يفصلنا الكثير قبل أن نرى هذا التحالف الجديد يظهر على الملأ، وسيكون التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل والخليج مزيجا غير مسبوق من القوة العسكرية والتكنولوجية ورأس المال المالي وموارد الطاقة.
وعلى العكس من ذلك، فإن المحور الروسي الإيراني التركي يبدو باهتا بجيوش جرارة وتكنولوجيات متقادمة واقتصادات شاحبة ومصالح إستراتيجية متباينة.
غير أن هذه المقارنة صحيحة فقط نظريا، إذ إن الواقع اليوم هو أن هذا التحالف غير المحتمل -الذي تقدم فيه أنقرة رِجلا وتؤخر أخرى- هو الذي يسيطر على الأرض ويواصل التقدم عليها.
والواقع أن ما يعوز هذا التحالف الوليد بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية هو الحد الأدنى من الذوق السياسي والذكاء عندما يتعلق الأمر بالظروف الميدانية.
فكل من هذه الدول الثلاث شرعت في نزاعات غير ناجحة في السنوات الأخيرة: الولايات المتحدة في العراق (في عام 2003)، والسعودية في اليمن (منذ عام 2015)، وإسرائيل في لبنان (في 1982 و2006) ثم في قطاع غزة (2008 و2012 و2014).
ذلك أن بداية الحروب سهلة، لكن بعد الانتصارات الأولى، عليك أن تعرف كيف تستمر بشكل مستديم، وهذه هي الميزة الرئيسية لإيران: معرفة كيفية الصبر دون الانحراف أبدا عن الهدف.
المصدر : لوموند