تابع... إرتفع الضجيج ونظم الجزارون – الذين مسهم الضر – وقفات يطلبون فيها بتدخل السلطة للبحث في الموضوع.. ولم تأل الإدارة التي صدرت إليها التعليمات من أعلى هرم السلطة جهدا ببذل كل طاقتها في البحث للكشف عن الفاعل.. وبدا موضوع قتل الحمير مقلقا ومحيرا ومعقدا إلى درجة أن البعض لجأ إلى الشعوذة، وغصت منازل مدعي الحكمة والسحر بالزوار .. ولعب هؤلاء – المشعوذين- دورا كبيرا في تعظيم وتهويل الموضوع فصوروا العمل لزوارهم على أنه فعل أياد خفية ترسلها الجن والشياطين، ويتطلب السيطرة على هذه الأيادي الخفية سفك الكثير من الدماء في إطار الصدقات لرفع البلوى، وتكلف البعض من الجزارة أموالا كثيرة صرفوها في طلبات المشعوذين، كما سار على شاكلة الجزارين مواطنين من سكان المناطق التي كانت مركزا لأحداث قتل عدد كبير من الحمير.. فقد خلق المشعوذون في مخيلة – هؤلاء السكان – أن تلك الأماكن التي استُهدفت فيها الحمير تسكنها قبائل من الجن شريرة ولها قدرة فائقة على الإضرار بالإنس.
وقد استغل الفرصة إلى جانب المشعوذين طرف آخر يتمثل في مرشدين الشرطة الذين كانوا يستفيدون من خوف الناس وهلعهم وبحثهم عن مخلص، فكانوا يرشدونهم إلى عناصر من الشرطة يوهمونهم بأن لديهم خبرة في البحث وبإمكانهم العثور على الفاعل، ومن وراء ذلك كان هؤلاء المرشدين يحصلون على مبالغ مالية يتقاسمونها مع أفراد الشرطة.
انتشر الرعب والخوف من الحوادث التي تكررت خاصة في القطاع الرابع والخامس والسادس من عرفات، مما اضطر بعض السكان إلى الهجرة من منازله إلى مناطق أخرى .
كنت في هذه الفترة أستفيد من العطلة السنوية ، والتي تزامن اليوم السابع منها مع أول جريمة في عرفات.. وتابعت وأنا في أتمتع بالعطلة في القرية بالبادية ما تحكيه الأخبار والشائعات حول الموضوع.. ولكني سافرت في تلك الآونة خارج البلاد حيث قضيت الجزء المتبقي من العطلة مع زملاء في قرية على الحدود السنغالية المحاذية لحدود ولاية"كازماس".. وقبل نهاية العطلة بخمسة أيام أقلت رفقة زملائي عائدين إلة موريتاني، ومررنا أثناء رحلة العودة بمواقع للنزهة بسنغال، ولم ندخل حدود البلد إلا قبل يومين من نهاية العطلة، ونحن على الحدود للعبور إلى البلد تفجأت بأن موضوع قتل الحمير ما يزال هو حديث الشارع ولاهتمام الكبير الذي يوليه له الشارع.. لكن كنت أحتسب أن ما يتردد هو مجرد نتاج ما تركه الحوادث في مخيلة المواطن من رعب.
وازداد اهتمامي بالموضوع والبحث عن مستجدات الموضوع عندما لاحظت الاهتمام البالغ الذي يأخذه في القرية والهلع الذي يسببه بين من يتناقلون بينهم القصص التي تحاك حول هذه الأحداث.
دخولي على الخط البحث
وغادرت القرية في اتجاه العاصمة نواكشوط، ووصلت مكتبي في وقت مبكر، كان الجميع ينتظر عودتي بفارغ الصبر حتى أن البعض حدثني أنه تصل على عبر الهاتف.. وعند ما أشارت إبر الساعة على تمام العاشرة صباحا رن هاتفي فإذا بالمتصل المدير الجهوي لأمن منطقة نواكشوط يلبني للحضور إلى مكتبه.
وصلت مكتب المدير بالإدارة الجهوية لأمن منطقة نواكشوط ، وتفاجأت مع دخولي لمكتبه بوجود جميع مفوضوا مفوضيات الشرطة في مكتبه، حيث كان يجتمع بهم حول موضوع تأثير الحدث الذي زاد عن الحد، وصار يشكل هاجسا مقلقا. ويرسم معهم الإستراتيجية الأزمة للعمل على توقيف هذه الحوادث بالقبض على الفاعل. جلست على طرف من المجتمعين الذين انفضوا بعد وقت قصير.
وتبادلت مع المدير حديثا مقتضبا حول الموضوع، فقد كان يتجهز للخروج لأنه مطلوب من قبل المدير العام..وعدت إلى مكتبي في مفوضية عرفات وطلبت أفراد الفرقة في اجتماع عاجل، تبادلت معهم فيه المعلومات، وزودوني بما لديهم ، ووضعت معهم خطة للعمل بناء على المعلومات التي حصلت عليها منهم، والتي كانت كل الجرائم فيها متشابهة حيث يربط بينها قاسم مشترك واحد يتمثل في طبيعة القتل والهدف.
بعد الاجتماع نزلت إلى الميدان حيث قمت بجولة في المنطقة التي وقع فيها جل الجرائم، غربلت شوارعها وأزقتها، وقمت بإحصاء شامل لجميع الأماكن التي تربط فيها الحمير.. وقادتني الزيارة الميدانية إلى تفقد القطاعات الأخرى التي شملتها الأحداث، وحضرت صلاة المغرب في مسجد بالقطاع الرابع ، والتقيت في المسجد بأحد مريدين الطريقة التجانية الصوفية، وجرى بيننا حديث مطول حول تفسيراته للجريمة وما يتحدث الناس حول أسبابها.. وأثناء حديثنا في زاوية خارج المسجد لاحظت وجود شاب يقوم ببعض الحركات تنم أنه مختل، وسألت الشيخ عنه، لكنه تذرع بأنه لا يعرفه، لأنه جديد على طلاب محظرة المسجد، كل ما لديه عنه أن والده جاء به من القرية للاستشفاء عند راقي، وتركه في المحظرة....تابع
محمد ولد احمدو رقيب سابق في الشرطة الوطنية
الجزء الثاني