بسم الله الرحمن الرحيم
حياة الشيخ حماه الله
نسبه :
هو شيخنا أحمد حماه الله بن محمدُّ بن سيدنا عمر بن حمى الله بن الشريف أحمد بن محمد بن سيد الشريف بن أمين الله بن محمد الشريف بن أحمد العباس بن الفضل بن سيف القضاء بن سيف الله بن حمى الله بن هدية الله بن يحيى بن عبد الرحمـن بن إبراهيم بن إدريس بن محمد بن عبد المؤمن بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن القاسم بن حمود بن ميمون بن علي بن عبد الله بن عمر بن مولاي إدريس الأصغر بن مولاي بن إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي كرم الله وجهه زوج البتول بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
نشأته
وهو قطب الأقطاب وإمام العارفين والأغواث وسلطان الأولياء والأتقياء فرع شجرة النبوة التي غرست بماء الرسالة وسقيت بماء الوحي الإلــهي وأثمرت التوحيد والإخلاص والشريعة والحقيقة ومكارم الأخلاق والهداية والعلم والعمل والبر التقوى والآداب السنية ومحبة الخير للخاصة والعامة وصلة الرحم وبر الوالدين والحياء والتحلية باستواء الظاهر والباطن إلى غير ذالك مما لاحد لجمله فضلا عن تفصيله فشيخنا أحمد حماه الله سر هذه الشجرة النبوية ونتيجتها وزبدتها وقد ولد على رأس القرن الهجري حوالي 1881 ميلادي زمن أكبر كراماته فيما أعتقد أنه توفي عنه أبوه وسنه حوالي 5 سنوات ونشأ يتيما في في تربية أمه المحدودة الإمكانيات في مدينة انيور بدولة مالي ولم يكن بها أحد من عشيرته أو أقربائه ولم يتعلم في مدرسة ولا في كلية ولاجامعة ولا حتى في محظرة
ولما ناهز الحلم وبلغه قدم إليه الشريف الشهير الشيخ سيد محمد الأخضر بن عبد الله مبعوثا وموفدا من شيخنا الشيخ سيد الطاهر ابوطيبة التلمساني الولي الكامل العارف الواصل الخلفية الأعظم لشيخنا التجاني رضي الله عنه وأرضاه وعني به ورفيقه في تنقلاته إلى الأماكن المقدسة حتى حج معه واعتمر إلى غير ذالك مما لا يسعني ذكره في هذه الأوراق
فقد بعثه من تلمسان في أعماق الجزائر بأمانة عنده من شيخنا التجاني وأخبره بأنه تقدمت سنه إلى درجة لايستطيع معها البحث عن صاحب الأمانة وأنه ليس بالأرض التي هو فيها وزودوه بالعلامات والأمارات التي يعرفه ويميزه بها عن غيره من الأسرار والألغاز المكنونة عن غير أهلها
فقام الشيخ سيدي محمد المذكور يتجشم تكاليف ومشاق الأسفار ويركب المهالك والأخطار ويخوض مهامه الصحاري والقفار ويجوب الأنجاد والأغوار حتى وصل مدينة شنقيط التاريخية ومكث فيها مدة من الزمن يسافر عنها ويرجع إليها في طلب ضالته حتى تزوج في ضواحيها زوجة رزقه الله منها ابنته الوحيدة الشريفة الكريمة لاله التي لم يجُد الزمان بمثلها في التبتل في العبادة والانسجام مع محبة الخير للخاصة والعامة ولم تزل الجماعات والأفراد يفدون إليها ويقصدونها للتبرك والزيارة في حياتها وبعد انتقالها إلى مغفرة ربها سنة 1376 هجرية فقـبرها هناك يزار إلى الآن وبعد الآن رضي الله عنها وأرضاها وولدت بنين وبنات وذريتهم موجودة بين أيدينا لله الحمد
وتمادى الشيخ سيدي محمد في تنقلاته والبحث عن ضالته حتى وصل مدينة كيهيدي في غرب جنوب موريتانيا فمكث فيها مدة من الزمن وصار له فيها أتباع وتلاميذ وقدَّم أربعة أوخمسة من أهلها وامتد به المسير والبحث حتى بلغ مدينة (انيور) في دولة مالي فتبوأها وأطاب مناخها وألقى عصا الترحال فيها حين شم رائحة ظفره بمطلوبه بها
وانتشرت الطريقة على يده هناك وقدَّ م مقدّ مين بعضهم ماليون وبعضهم موريتانيين لأن حدود موريتانيا قريبة من مدينة انيور وعقد جلساته وحلقاته كان شيخنا أحمد حماه الله رغم صغر سنه يحضرها أو يحضر بعضها وإذا قام من مجلسه يتبعه نظره حتى يغيب عن عينيه ويسأل عنه وعن حياته ليطمئن قلبه بعد المعرفة واليقين
ومعلوم أن شيخنا حماه الله لقنه الشيخ سيدي محمد ورد شيخنا أحمد التجاني بواسطة الشيخ .سيدي الطاهر
فلما حل له شيخنا جميع الألغاز وكشف له عن جميع ماعنده من الأسرار وعمره آنذاك 19 سنة جمع تلاميذ ومقدميه وأعلن لم جهارا أن شيخنا الشيخ أحمد حماه الله هوضالته المنشودة وأمرهم بالتجديد عليه وأخبرهم أن من أقره على قدامته وورده فهو المقبول والفائز ومن لا فلا وصار شيخنا الشيخ حماه الله هو الشيخ الأكبر والمربي الأشهر بعد اعتراف هذا الشريف الكبير القطب الشهير به وبقطبانيته وبخلافته أمام المريدين والمنكرين والمحبين والمبغضين وتجرده عما كان معه من التلاميذ والمقدمين له فهذه فهذه أعظم كراماته وقد وجدها حين بلغ الحلم فماذا يكون من حاله بعد ذالك؟
إعراضه عن المستعمر الفرنسي الحاقد
ولما شاع أمره وذاع ضاقت على المستعمر الأرض بما رحبت وقض عليه مضجعه ما رأى من ثبات شيخنا بداره وعدم وقوفه ببابه يطلب حاجة ما ولو مرة واحدة مع أنه نشأ وتربى تحت رايته وحكمه وهو لايعهد هذا من غيره فقام يجربه بمصايده التي لا تخطئ وهي الرواتب الشهيرة والأوسمة وبسط الجاه إلى غير ذالك من خداعه وملابساته وتدليسه فأخفق وفشل في كل مانصب من يصيدُه به فلم يجد إلا النفور والإبتعاد وعدم الموافقة في كل مايريد فعندئذ أشهر الحرب ونثر كنانته بما يكنه له من البغض والعداوة وتربص الدوائر
وفي أول يوم من ربيع الثاني 1344 هجرية أخرجوه من داره ظلما وعدوانا إلى مدينة باماكو عاصمة مالي عبر (خاي) ومكث فيها شهرين في دار الشريف الماجد السيد محمد بن إبراهيم الخليل وذهبوا به منها إلى مدينة (اندر) العاصمة السنغالية إذ ذاك ومكث فيها سبعة أشهر بدار السيد أحمد بن مسعود الفاسي المغربي واتفقوا على الذهاب به إلى المذرذرة المقاطعة الموريتانية بمدينة اترارزه وقضى فيها ثلاثة أعوام وعشرة أشهر إلا أربع ليال ولما يئسوا من مبدإ أمره إلى هذا التاريخ من عدم انقياده وركوعه أمام رغباتهم ومطالبهم شكلوا وفدا هاما من مشايخ الولاية وعلمائها وأمرائها ووجهائها يتشفعون بهم إليه ليقبل منهم أخذ المال وقلوا لهم أن راتبه كل شهر منذ سنين كثيرة مجموع عندهم ويطلبون منه ان يأخذه منهم فقط فلما قدم الوفد على شيخنا وأخبروه بما أ رسلهم الحكام به أجابهم شيخنا بأنه ماسلم منهم بدون اخذأموالهم فكيف يسلم منهم بعد أخذها ؟ وقرأ عليهم الآية الكريمة :إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله * صدق الله العظيم ومعناها لا يحتاج التفسير ولا التأويل فمعلوم انهم لا ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله ولا رسوله ولا الدار الآخرة فرجع الوفد كما جاء صفر الأكف وبدون جدوى وما تبع شيخنا في هذه المدة وبهذه الولاية غير محمد المختار بن معروف وأمه وأهله وأختاها والشيباني بن أحمد عبد الشمسدي وبنته الزهراء بنت أخت محمد المختار بن معروف فطوبى وهنيئا لهم بهذا الفوز الذي نالوه وبهذه السعادة التي خصهم الله بها ولما تيقـن الحكام المستعمرون أن جميع مخططاتهم فشلت وخابت استشاظوا غضبا وهددوا شيخنا بالغربة والإبعاد إلى دولة لم يكن فيها مسلم من أهلها اللهم إلا ماكان من الأجانب والأضياف ونفذوا ذالك فعلا وهي دولة ساحل العاج فأخرجوه من (المذرذرة) في التاسع من ذي القعدة سنة 1348 هجرية متوجهين به إلى ساحل العاج صوب ( اندر ودكار ) السنغاليتين ومن دكار عبر المحيط الاطلسي في الباخرة عقاباله في زعمهم على عدم قبول ما عرضوه عليه ولم يعرفوا ما وراء الأكمة وبلغت مدة إقامته بساحل العاج خمسة أعوام وعشرة أشهر وخمسة أيام وكان ذهابه إليها صحبة ثلاثة من قومه وهم السادة السيد أحمد بن سعد وأحمد كوى وبلال رضي الله عنهم أجمعين
قال الناظم :
وانتشرت طريقنا وظهرت ** أنوارها بكدوار وسرت
وتركوا به مقدميـــــــــن ** ثلاثة تنوب في التلقين
وعند انتهاء هذه البرهة العصيبة أطلقوا سراحه ورجع مع الخط الذي ذهب معه عبر المحيط الأطلسي في الباخرة إلى دكار ومنها إلى باماكو ومنه إلى دار المحروسة المباركة مدينة (انيور) التي وصلها عبر (خاي ) ضحى الخميس في 28 من شوال سنة 1354 هجرية
ومدة مقامه بأيدهم في السجن والإقامة الجبرية عشر سنوات ونيف بذلوا فيها وقبلها ما يملكون وما لا يملكون من الحيل والمكايد والمراوغات والتهديد تارة والترغيب والترهيب أخرى وحرب الاستفزاز بالتنقل من مكان إلى آخر كل هذا محاولة منهم لأن تلين قناته أو تضعف عزيمته أوتنهار معنوياته ولـكن هيهات هيهات لما يرومون فما زاد هذا قناعته إلا صلابة ولاعزيمته إلا قوة ولا معنوياته إلا ارتفاعا وشموخا
فمنذ ولادته إلى أن غاب عن أبصارهم وعمره ستون سنة ما وقف بباب واحد منهم إلا إذا دعوه وإذا قدم عليهم لا يجلس لهم على كرسي وإذا خاطبوه لا يأتي الجواب