بقلوب أدمعت قبل العيون؛ وبنفوس تفطرت ألما وحزنا على فراق حتمي معلوم؛ تلقينا رحيل الوالد الوزير شيخنا ولد سيدي ولد محمد لقظف؛ الذي بفقدانه تكون موريتانيا قد أضحت يتيمة؛ وبرحيله فقدنا قبعة التأسيس لموريتانيا الحديثة؛ عندما كان الرجل مع فتية من أبناء جلدته يرسمون معالم جغرافيا ووطن لم يكن موجودا في الواقع آنذاك؛ كما قاد الرجل قبل ذلك معركة الاستقلال مع رفاق التأسيس من خلال النضال الذي فتحوا من خلاله باب المستعمر ليقر بالاستقلال 28 نوفمبر 1960؛ على أديم لم يعمر بفعل طبيعة شعبه الرحل وبداوتهم..!
ظل الفقيد شامخ الرأس وفيا لوطنه؛ لم يكن يجد من وقت الراحة ما يداعب به أطفاله؛ لما له من حكمة ورجاحة عقل وبسالة ؛ وتفانى في خدمة بلده؛ و الذود عن الحق والعدل والإنصاف؛ للذين يطرقون بابه وهم كثر؛ كما كانت له بصيرة قل نظيرها في تدبير الشأن العام مع رفيق الدرب الرئيس المرحوم المختار ولد داداه؛ الذي كانت ثقته فيه تعانق عنان السماء..!؟
سخّر الراحل حياته لهذا البلد الذي يعود له الفضل مع صحبته في وجوده؛ فما استكان يوما لأصحاب الأطماع الشخصية ولا جامل في قول الحق؛ فحين خيّر بين وطنه ورفيق دربه في العاشر من يوليو بعد إطاحة الجيش به اختار المصلحة العليا دون مواربة أو تردد؛ فإيمان الفقيد بالوطن أدى به إلي فقدان العديد من المصالح والامتيازات التي لا يمكن ذكرها في هذه الخاطرة..!؟
في منتصف التسعينيات خيّر الراحل مرة أخرى بين حماية مصالحه ووطنه فاختار الأخير؛ غير آبه لعواقب قراره الذي جاء ردا على دكتاتورية النظام الأسبق؛ ومضى في طريقه الذي سلكه منافحا عن الوطن والمواطن؛ إلى أن واريناه الثرى بالأمس..!؟
عرف الوالد الفقيد بالشغف بدولة القانون والمساواة؛ فظل إيمانه بالديمقراطية والتناوب السلمي راسخا؛ مجسدا بأفكاره وأطروحاته القيّمة مسيرة من النضال السلمي الذي كان له الفضل الكبير في إزاحة نظام المحسوبية 2005..!؟
رحل الوزير في صمت بعد رحلة من العطاء في خدمة بلده وشعبه؛ لتكون صبيحة الثلاثاء 11/09/2018 هي آخر أيامه في هذه الفانية..!؟
بفقدانه عمّت موجة من الألم والحزن جميع ربوع موريتانيا الحبيبة؛ بفعل ما للرجل من محبة وإخلاص في نفوس عامة الشعب؛ وخاصة العارفين به؛ و أهله وقومه؛ لكن ما يبعث للطمأنينة رغم كل تلك الأحزان أن المغفور له ـ بإذن الله ـ له من العمل الصالح والتاريخ الوضاء ما يؤهله بإذن الخالق للدرجات العلا..!؟
ليس من الممكن أن نجد كلمات ـ مهما حاولنا ـ التعبير بصدق عن جوهر رجل ذي عمق وطني بحجمه؛ وسيبقى حاضرا معنا رغم رحيله؛ وستحكي الأمهات لا محالة قصصه للأطفال في النضال والوطنية والبناء..!؟
فبرحيله تكون موريتانيا ـ شعبا وحكومة ـ قد فقدت قبعة التأسيس بدون منازع؛ وقد طوت قرنا من الأنفة والكبرياء والإخلاص؛ لتذرف الدموع وتهتف الألسن بقول الحق:
إنا لله وإنا إليه راجعون؛ فتلك لعمري مصيبة وفاجعة بحق..!؟